شعار قسم مدونات

عندما يصبح الوباء المعلوماتي أشد فتكاً من وباء كورونا

BLOGS مواقع التواصل

في خضم انتشار وباء COVID-19 أو ما يعرف بكورونا نكاد نجزم بأن جًل مستخدمي الشبكة العنكبوتية والبالغ عددهم تقريباً ثلاث ونصف بليون إنسان كانوا قد سمعوا بصورة أو أُخرى حول هذا الوباء كغيره من الأوبئة التي تفشت في السابق في المجتمعات البشرية. ولكن في عصر العولمة الشديد والمتخم بتقنيات الذكاء الاصطناعي رافق هذا الوباء المرضي وباء معلوماتي مزامن له قد يًصنف على أنه موازي بالخطر لوباء كورونا وبما أنك الأن تقرأ هذا المقال فلا بد بأنك جزء من اللذين عايشوا هذا الوباء أو تضررو به على الأقل نفسياً إذن فما هو الوباء المعلوماتي؟

يًعرف الوباء المعلوماتي (infodemic) بأنه زخم هائل من المعلومات المًجمعة بشكل غير رسمي لمشكلة ما تجعل الحل أكثر صعوبة ويرافقها عند غزارتها تأثيرات نفسية على مًتلقيها. حسب المراجع فإن جذور الوباء المعلوماتي تعود للعصور الوسطى ولكن في ذلك الزمن لم تكن الشبكة العنكبوتية لجعل العالم أكثر عولمة لذلك كان وباء المعلومة ينتشر على نطاق أهل المجتمع أنفسهم ويأثر على الناس من خلال نشر معلومات طبية مغلوطة تًلقي بظلالها وتأثيرها على صحة الإنسان الجسدية والنفسية. وهنا نستطرد مثال أنغولا عندما تفشت فيها الحمى الصفراء خرجت إشاعات مفادها بأن الأشخاص الذين يتم تطعيمهم لا يمكنهم شرب البيرة لمدة أسبوع والذي أدى بدوره في انخفاض معدلات التطعيم التي أثرت على صحة الأفراد هناك. أيضا مع وباء أيبولا أصبح أي شخص لديه إرتفاع في درجة الحرارة يشك على أنه مصاب وتكرر نفس الأمر مع زيكا على اعتبار أي ألم في المفاصل هو زيكا القاتل.

الزخم الشديد لتناقل كم المعلومات الزائفة خلق مصاعب في مواجهة جائحة كورونا حسب ما صرح رئيس منظمة الصحة العالمية السيد تيدروس غيبريسوس نحن لا نقاتل فيروس بل نقاتل وباء معلوماتياً

ولكن الأمر في عصر العولمة مختلف تماماً بسرعة الانتشار ومعدلات الناس الهائلة التي تتفاعل ليس فقط مع معلومات عادية مغلوطة بل تصل الكارثة إلى المعلومات الطبية والعلمية وللأسف تصدر مثل تلك المعلومات في بعض الأحيان من خلال وسائل إعلام محلية وعالمية هذا بالإضافة إلى المكالمات الهاتفية ومجموعات الدردشة على واتس أب التي تكثر فيها تلك المعلومات ويتناقلها الناس على أنها معلومات من مصادر موثوقة ونتيجة لذلك يتولد الخوف عند الإنسان بصورة تلقائية عند ابتداء يومه صباحاً بتلك الرسائل وما يراه في محيطه يجعله يتحول بصورة لا واعية من الشك لبعض اليقين الذي يؤثر على الحالة النفسية للأفراد وهذا ما يفسر موجات الشراء للمواد الغذائية ومواد التعقيم والأدوية التي لا يوجد لها أي مبرر فتلك الأمور كلها تولد حالة رعب اجتماعية كبيرة لربما كان سببها في الأصل وباء معلومة مغلوطة.

فقد رصد موقع التغريدات المشهور تويتر تغريدة مفادها أن منظفات الأيدي المضادة للبكتيريا غير مجدية في الوقاية من فيروس "كورونا" وهي المعلومة الخاطئة التي حازت على ربع مليون إعجاب ومئة ألف إعادة تغريد خلال وقت قصير قبل أن يتم حذفها من فريق إدارة مكافحة المعلومات المغلوطة في الموقع المذكور نفسه فلعلك أن تتأمل بأن ربع مليون كافي أن يوصل تلك العلومات للملايين من هم في محيطهم أو من خلال إعادة نشرها واعتبارها معلومة صحيحة من شأنه أن يحاجج بها. في هذا الصدد قامت منظمة الصحة العالمية بتشكيل فريق يُعنى بالتواصل مع إدارة المواقع العالمية لمكافحة المعلومات المغلوطة حول الفيروس المتسجد كورونا عن طريق تفعيل خوارزميات من شأنها العمل على التصدي لتلك الشائعات بالإضافة إلى نشرها في نفس الوقت المعلومات الموثوقة من منظمة الصحة العالمية حول ذلك الفيروس عن طريق الإعلانات التي شاهدناها في تلك المنصات وقد قامت شركة غوغل الشهيرة بتطوير نظام تنبيهات يًسمى (SOS -Alert) وظيفته نشر المعلومات التي ترد من منظمة الصحة العالميةلتصبح في متناول الجميع واعتمادها كمصدر بدلاً عن وباء المعلومات المغلوط.

الزخم الشديد لتناقل كم المعلومات الزائفة خلق مصاعب في مواجهة جائحة كورونا حسب ما صرح رئيس منظمة الصحة العالمية السيد تيدروس غيبريسوس نحن لا نقاتل فيروس بل نقاتل وباء معلوماتياً. ذلك الوباء الذي أثر بدوره على مدى أشد من الناس نفسهم وتعدى الحكومات التي شعر مواطنيها بأنهم فقدو الثقة في التصريحات الحكومية والهيئات الصحية العاملة فيها نتيجة تأثر الناس والعاملين في السلك الحكومي بتلك الشائعات التي ولدها الوباء المعلوماتي حسب ما أورد تقرير موقع أكسيوس الأمريكي فقد تداول كم هائل من مرتادي المواقع الاجتماعية فيديوهات وصور لأشخاص ينتابهم السعال ولأخرين يسقطو في الأرض على أنها في الصين وإيران ولكن تبين في مابعد بأن تلك المواد التي نًشرت تعود لسنوات سابقة لا تربطها أي صلة بموجة فيروس كورونا ناهيك عن مؤامرات الحرب البيولوجية وبأن أمريكا هي من قامت بتصنيع الفيروس ليتبين إلى لحظة نشر هذا المقال بأن المتهم في أول أيام انتشار الوباء أصبح يحتل المركز الأول من حيث الإصابات ولم تكن تخلو تلك المنصات من وصفات الطب الشعبي لمكافحة كورونا وإنسياق السواد الأعظم من الناس في مجتمعاتنا العربية لتلك المعلومات التي أثرت بهم أكثر من الوباء نفسه.

إلى جانب التأثير المجتمعي كان لوباء معلومات كورونا أثر شديد في ضخ استثمارات دعائية بينها سياسية وإعلانات تجارية ناهيك عن منتجات الأعشاب والطب الزائف الذي ينسب لطب الأعشاب القديم الذي عفى عنه الزمن مع بداية القرن العشرين. وهنا يبقى التحدي الأكبر يعتمد على وعي الفرد نفسه في عدم الإنجرار وراء تلك المعلومات وترويجها ولو عن طريق عدم القصد واللامبالاة والعمل على محاربة محتوى تلك المعلومات عن طريق التوعية حول تقصي المعلومات العلمية من مصادرها العالمية سواء كان ذلك على مستوى المجتمع أو العائلة. وختاماً لا يسعني في النهاية من نصائح إلا استذكار قول عمرو بن العاص لأهل الشام عندما تفشى وباء الطاعون: "الوباء كالنار وأنتم وقودها تفرقوا حتى لا تجد ما يشعلها فتنطفئ". حفظ الله الجميع من الأوبئة الفيروسية والمعلوماتية وعلى أمل إيجاد دواء لمكافحت الأوبئة البيولوجية والافتراضية على الشبكة العنكبوتية ولا ننسى بأن درهم وقاية خير من قنطار علاج وهذا ينطبق أيضاً على الوباء المعلوماتي بأن الوقاية تتمثل في الثقافة وتحري العلم وعدم الإنجرار وراء المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.