شعار قسم مدونات

أوروبا والسوريون: لا أخلاق.. ماذا عن القانون؟

blogs اللاجئين

وفاة الشاب السوري أحمد أبو عماد من مدينة حلب برصاص الشرطة اليونانية أثناء محاولته مع الآلاف اجتياز الحدود التركية اليونانية يفتح ملف التعامل الأوروبي مع اللاجئين السوريين، والذي تراجع تدريجيا من إغلاق الأبواب في وجوههم، إلى الوصول أخيرا لممارسات دموية وإجرامية لبعض دوله ضدهم، تتشابه مع ممارسات النظم الديكتاتورية.

 

ليست مشكلة المرحوم أبو عماد أنه يبحث عن الأمان المفقود في بلده التي تركها الغرب مسرحا لأبشع عملية إبادة جماعية مورست خلال الـ ١٠٠ عام السابقة، إذ يحرق نظام بلده الأرض والإنسان، مدعوما بقوة روسية غاشمة، وميليشيات طائفية متعطشة للقتل، يحدث كل هذا دون أن يكون للشاب الحلبي أي ذنب في تغول نظام بلاده وتوحشه وتحول بلاده لساحة حرب عالمية، تدور رحاها على أرضه. وإذ يتقاتل ويختلف الجميع في سوريا على كل شيء، فإنهم يتفقون على شيء واحد هو هوية القتلى، فكلهم سوريون، كما يتفقون بشكل غير مفهوم على منعهم من الفرار أحياء من هذا الجحيم.

 

لا يستحق السوريون الذين خرجوا في منتصف مارس ٢٠١١ بسلمية راقية منادين بالحرية كل أبواب جهنم تلك التي فتحت عليهم وعلى أطفالهم، كما أنهم ليسوا المسؤولين عن تحويل بلادهم لساحة حرب أهلية، فليسوا هم من استدعى الميليشيات الطائفية من طهران ولبنان وأفغانستان، كما أنه من غير المبرر أن تأتي ثان أكبر قوة في العالم لقتالهم وتأديبهم عن حلم كان يوما جميلا، حلموا فيه بالعيش في ديمقراطية، استكثرها عليهم كل عتاة العالم وجاؤوا بقتلة من كل مكان لوأد ذلك الحلم المشروع.

 

يجري كل هذا التنمر والانقضاض على مقدرات بلادنا، فيما تتنكر أوروبا المستعمرة القديمة لدورها وواجبها الإنساني على الأقل باستقبال موجات اللاجئين الفارين من جحيم الحروب والاقتتال، وانعدام الأمن في بلدان تحولت لمقابر جماعية

كما أن السوريين التي ترفض الدول الأوروبية استقبالهم ليسوا متسولين ولا فقراء، فبلادهم تزخر بخيرات أطعمت لعقود الجوار وحتى العالم، هي بلد ثري بثروات طبيعية، فيها بترول بين النهرين الذي كان النظام يستحوذ عليه وتحول الآن ليد ترمب، فيها زراعة حققت فائضا وليس اكتفاءا فقط، ولطالما شبع من و في دمشق العرب وغيرهم، حتى اليونانيين الذين يمنعون اليوم السوريين من دخول بلادهم استضافة حلب ١٢ الف منهم قبل قرابة ٧٤ عاما.ففي الحرب العالمية الثانية بين1939 و1945 فر آلاف اللاجئين  اليونانيين من القارة العجوز إلى دول الشرق العربي ومنها سوريا بحثا عن ملاذ آمن.

 

نفهم لغة المصالح في تعامل الدول مع التحولات المختلفة، ولا نحتاج لأحد أن يقول لنا أن الغرب ليس مؤسسة خيرية، وأنه لم يقدم بالمجان عطاياه للسوريين، لكننا نفهم  كذلك أن دعم الغرب للنظم الديكتاتورية وتمكينها من البقاء والتنكيل بكل معارضيها هو أمر يجعل من مطالبته بالتدخل لتصحيح ما ارتكبه في الماضي أمرا مشروعا، فلم يكن للسوريين أن يقتلوا بهذا الشكل ويهجروا إلا جراء عقود من التساهل الغربي مع النظام السوري، والاستمرار في غض الطرف عن ممارساته وممارسات نظم ديكتاتورية أخرى تقتل هي الأخرى وتواصل قتل شعوبها، هي نظم ليست الشعوب وحدها المسؤولة عن استمرارها في الحكم، بل القوى العظمى التي سلمت منطقتنا لعصابات تحرس مصالحها عقب "مغادرتها الشكلية" وإعلان "استقلال" وهمي لتلك المستعمرات السابقة.

 

وفيما يدعم بوتين بشار الأسد ويقاتل معه، يكتفي ترمب بحصته النفطية ويقر للقيصر بباقي الحصة السورية، ويتطلع ماكرون للكعكة الليبية، ويسيل لعاب باقي الأوروبيين لما تبقى من عقود تنقيب، أو غاز أو معمار. يجري كل هذا التنمر والانقضاض على مقدرات بلادنا، فيما تتنكر أوروبا المستعمرة القديمة لدورها وواجبها الإنساني على الأقل باستقبال موجات اللاجئين الفارين من جحيم الحروب والاقتتال، وانعدام الأمن في بلدان تحولت لمقابر جماعية، جراء كل الأسباب التي ذكرناها سابقا، وترفض استقبال اللاجئين، فإذا كانت الأخلاق لا تعمل، فماذا عن القانون؟ وكيف تقوم أوروبا بتعطيله؟

 

سأختم هنا بمقتبسات من القانون الدولي الإنساني، فإذا أخفقت الأخلاق فلا أقل من تطبيق القانون الذي نص على:

 

– حق المدنيين في الحصول على اللجوء، وكذلك حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو توقفوا عن الاشتراك في الأعمال العدائية.

 

– اللاجئون: هم أشخاص لا يمكنهم العودة إلى بلدهم الأصل بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد أو الصراع أو العنف أو ظروف أخرى أخلّت بالنظام العام بشكل كبير، وهم بالتالي بحاجة للحماية الدولية.

 

– اللاجئون هم أشخاص يفرون من الصراع أو الاضطهاد، يعترف بهم القانون الدولي ويحميهم -حسب موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- ولا يجب طردهم أو إعادتهم إلى أوضاع تعرض حياتهم وحريتهم للخطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.