شعار قسم مدونات

العلاقات الأميركية العراقية الأمنية والتأثير الإقليمي

الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يتحدث خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (الفرنسية)

هذا المقال يأتي بعد الزيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى البيت الأبيض في 15-4-2024 بعد تأخير مبرمج من الأميركيين نتيجة للنظرة الأميركية الى أداء الحكومة العراقية ومن ثم تلبية الشروط الموضوعة أمام رئيس الوزراء العراقي، منها ما يتعلق بالعلاقة مع إقليم كوردستان أو ملف المجموعات المسلحة التي تزعج الأميركيين، ويختطفون القرار السياسي أحيانا عندما يجدون ذلك ضرورة.

والزيارات هذه حالة طبيعية بين الدول التي تتمتع بالعلاقات الدبلوماسية الإيجابية، لكن الزيارة إلى واشنطن واللقاء مع الرئيس الذي يتصرف كقائد للعالم في ظل غياب القطب المنافس تتمتع بأهمية واضحة، والعراق أكثر من غيره، لأن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة مختلفة عن العلاقة الطبيعية بين دولتين مستقلتين.

الأميركيون موجودون داخل الأراضي العراقية منذ 2003 بكامل عناصر القوة، ومر هذا الوجود بالحرب والاحتلال و الحكم العسكري المباشر عبر تعيين حاكم مطلق "بول بريمر" جاء بعده تشكيل مختار معين "قومي -طائفي" لمجلس الحكم العراقي الذي انحصر دوره في مجال الاستشارة غير الملزمة، ثم توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي سنة 2008 ودخل حيز التنفيذ في 2010، وانسحاب عشرات الالاف من الجنود، ثم العودة بقيادة قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الذي انهار الجيش العراقي أمامه منسحبا من ثلث تراب الوطن سنة 2014، والآن البحث عن تطوير لهذه العلاقة والبحث عن آليات التنفيذ عبر اللجان المختصة بكل مجال.

  إن الإطار الحاكم على العلاقة بين البلدين هو اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقع من قبل كل من رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق باراك أوباما ورئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي في سنة 2008، وهي اتفاقية شاملة تمس مجمل مجالات الحياة "السياسية والدبلوماسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية والثقافية".

هذه المحطات من العلاقات نادرا ما تحدث بين دولتين مستقلتين ذات سيادة، إذن تتجاوز طبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن الصيغ الطبيعية المعروفة في الفكر السياسي والعلاقات الدولية. تنضاف اليها العلاقة القوية بين إقليم كوردستان وواشنطن والتي تستعصي عن التأثر بالمد والجزر بينها وبين بغداد.

إن الإطار الحاكم على العلاقة بين البلدين هو اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقع من قبل كل من رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق باراك أوباما ورئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي في سنة 2008، وهي اتفاقية شاملة تمس مجمل مجالات الحياة "السياسية والدبلوماسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية والثقافية".

هذه الاتفاقية هي التي تحكم وتتحكم في مسار العلاقة بينهما وكل ما جرى خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي هو داخل في التفاصيل الإجرائية الطويلة لتحويل بنودها إلى واقع، وفقراتها الى فعل على الأرض، لكن وبما أن الأوضاع ليس من طبيعتها الثبات، وإنما التغير، فقد دخلت في المحادثات المستجدات في مقدمتها السلاح خارج مؤسسات الدولة والعلاقة المتدحرجة نحو الانهيار بين إقليم كوردستان والحكومة في بغداد، والتوتر الحاصل بينهما عائد إلى المستجد الأول أي المجموعات المسلحة ذات الهوية الإقليمية، ووجود القوات الأميركية وكيفيتها في العراق.

ربما هذه الأخيرة هي الأصل في القلاقل بين بغداد وواشنطن، وهي ما نحاول بسط الحديث عنها لأنها سببت توترا كبيرا تمظهر في اقتحام السفارة الأميركية داخل المنطقة المحمية في بغداد من قبل أنصار المجموعات المسلحة وحضور قيادات منها، والرد الأميركي بقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020. والضربات اللاحقة الموجعة لقواعدها واغتيال قادتها.

هذه المجموعات المسلحة هي امتداد للقوة العسكرية – السياسية الإيرانية والتي هي هرم إيراني اقليمي مسلح، هذه الفصائل المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي التي هي مؤسسة قانونية ضمن القوات المسلحة العراقية، لكنها شبه مستقلة في السياسات كما هو الحرس الثوري الإيراني، هذه المجموعات هي التي تشدد على انسحاب كامل القوات الأميركية في العراق، فهل الجدية موجودة على المستوى العراقي لانسحاب هذه القوات؟

إن القوات الأميركية الموجودة على الأرض العراقية رجعت إليها في 2014، بطلب من الحكومة العراقية لقيادة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والمقصود بالإرهاب هنا هو تنظيم داعش، أي أنها لا تقع تحت البند المتعلق بانسحابها من العراق وفقا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي، وإنما اتفاق ثنائي آخر، وهذا الاتفاق الثنائي يتضمن بندا يقول: إن أي بلد رأى انتفاء الحاجة لوجود هذه القوات الدولية يكفيه إخطار الطرف الثاني بذلك ويدخل الإخطار حيز التنفيذ خلال سنة واحدة، فإذا أراد العراق فعلا مغادرة الجنود الأميركيين فتكفي رسالة من الخارجية موجهة إلى السفارة الأميركية وينتهي كل شيء، وهذا لم يحدث لحد اللحظة.

إن القوى الشيعية تقول إن الإرهاب من صنع الأمريكيين، ثم يريدون بزعمهم طرد هذه القوات الامريكية، فإذا كان ذلك كذلك فألا يخافون من عودة العمليات الإرهابية الموجهة عند خروج الأميركيين؟

إن قرار البرلمان الصادر في 5-يناير-2020 القاضي بسحب القوات الأجنبية غير ملزم للحكومة. إن الفصائل المسلحة التي تصر على خروج الأمريكيين وهم من الإطار التنسيقي الشيعي الذي لا يلبث قادته يطالبون بمغادرة الأمريكيين العسكريين العراق، لم يطلبوا رسميا من رئيس الوزراء في الاجتماعات الدورية الخاصة، وإلا كانوا قادرين على الضغط عليه واجباره حال مجابهته لهم، لأنه يمثلهم في رئاسة الحكومة.

وإن القوى الشيعية تقول إن الإرهاب من صنع الأمريكيين، ثم يريدون بزعمهم طرد هذه القوات الامريكية، فإذا كان ذلك كذلك فألا يخافون من عودة العمليات الإرهابية الموجهة عند خروج الأميركيين؟ إن الإيرانيين يريدون السلطة الشيعية للعراق، وكذلك القوى الشيعية، وبالتالي لا يريدون مواجهة الأميركان إذا كان الثمن هو خلعهم عن الحكم، كما حصل مع نظام صدام حسين، بمعنى أنهم يريدون الوقوف بوجه واشنطن في العراق لمدى لا ينعكس سلبا على سلطتهم، وإذا كان الامر كذلك فهم يريدون الاستقرار في العلاقة حفاظا على السلطة.
والدليل هو تصريحات القيادات السياسية الشيعية المتشددة تجاه الأميركيين المؤكدة على توفير شروط النجاح لزيارة السوداني إلى واشنطن.

قبل موعد الزيارة بثلاثة أيام كتب محمد السوداني في " فورين أفيرز" الأميركية فيما يخص حصر السلاح بيد الدولة أن ذلك مسألة إدارية داخلية ويحتاج إلى الوقت، قصده عند طرحكم ذلك أثناء الاجتماعات أطلب منكم الوقت، وعن الانسحاب من العراق كتب: نعمل من أجل وضع تواريخ توصلنا إلى الإبقاء على مستشارين عسكريين، والأميركيون يقولون قواتنا استشارية في العراق، استشارية وحامية لبعثاتنا الدبلوماسية، فهم متفقون إذن، ولا مغادرة لبضع آلاف من الجنود المستقرين في قاعدتين إحداها "الحرير" في إقليم كوردستان والثانية" عين الأسد" في محافظة الأنبار السنية.

أما الكرد والسنة فليسوا مع مغادرة هذه الالاف من الجنود العراق وموقفهم نتيجة للحكم الشيعي الذي يتجه من منظورهم إلى التسلط والتفرد بالسلطة الفعلية وتموضع العراق في الهرم الإقليمي الإيراني، لكن في ضوء ما مضى من المعطيات فإن الشيعة في جانب مؤثر منهم ليسوا جادين أيضا في دعوتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.