شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى في ضوء القرآن الكريم (١)

سرب "صقر" إحدى وحدات المقاومة التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل)

لعل من عظمة هذه المعركة الممتدة أن أرانا الله تعالى فيها مصداق آياته الكثيرة، وسننه الجارية الثابتة، قررها في كتابه العزيز سواء منها تلك التي تحكم الكون، أو الأفراد، أو المجتمعات، وقد تشابكت وتناسقت، وبين بعضها بعضا.

الحديث هنا يا سادة عن معركة طوفان الأقصى، وما أدراكم ما طوفان الأقصى!

إن مما نستحضره من الآيات والسنن الإلهية مع مشاهدة ما يجري، ما يتصل بحقيقة النفس الإنسانية، وطبيعة تركيبها التي أخبر عنها عز وجل: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ ]الشمس:٧-٨[؛ أي أن الإنسان هو كائن مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه، ومزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال، والتقوى والفجور حسب تعبير الآية.

ويتمتع بقوة التمييز بين ما هو خير وما هو شر، وعلى توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء. فقد عبر عن ذلك بالالهام كما الآية هنا، وبالهداية في الآية: ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد:١٠]، (في ظلال القرآن، سيد قطب).

وأيّاً من هذين المسلكين يختار الإنسان فعليه التبعات والنتائج، ولعل ذلك هو ما نستشفه فيما أقره تعالى من سنن مطردة حاكمة في قوله تعالى في التتمة:﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾ [الشمس:٩-١٠]؛ حيث يعد سبحانه الإنسان بالنجاح والفلاح إن اختار التقوى والهدى، بأن زكى نفسه، وطهرها من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله وتقواه، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.

بينما يتوعده بالخسارة والخيبة إن سار في طريق الفجور والضلال، بأن دسى نفسه في الموبقات، وحال بينها وبين فعل الخير والحق، وقمعها وأخفاها بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها (ينظر تفسير السعدي).

ما من شك أن من صور الفلاح الإلهي المحققة لإنسان الجهاد والمقاومة (شعبا ومقاتلين)، ثباته وصموده ورباطة جأشه، وتمسكه بأرضه وحقه، وعدم استسلامه لمخطط إخراجه من داره وتهجيره، رغم كل ما ينزل عليه من الخطوب والمصائب والآلام، وما يتكبده من الخسائر الإنسانية والمادية

وفي معركتنا "طوفان الأقصى" نرى أصحاب الطريقين يتمثلان معا، وهما يتعاركان في الميدان:

  • إنسان الجهاد الفلسطيني والمقاومة (شعبا ومقاتلين) الذي اختار طريق الإيمان والتقوى والحق إلى المدى الذي قدَرَ عليه، الذي يناسبه وصفه تعالى: ﴿ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الملك:٢٢]، أي طريق واضح بين، وهو مستقيم في نفسه، وطريقه مستقيمة، طريق الحق والعدل والتحرر من الظلم. فهو قائم رافع رأسه ناصب وجهه سالم من العثار، لأنه لانتصابه يبصر ما أمامه وما عن يمينه وما عن شماله، طريقه موطأ واسع مسلوك سهل قويم في غاية القوم (ينظر تفسير البقاعي).

إنه مثل للمؤمن المزكي نفسه -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا-، الذي نراه يجازى بسنة الله تعالى في توفيقه وإنجاحه؛ فكان له النصر والفتح يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم، تتتالى نجاحاته وإنجازاته في الميدان مما نعلم ومما لا نعلم.

ثم إننا نرى في الأفق بشائر الانتصار الكبير والنهائي بإذن الله تعالى تلوح؛ يوم تتحرر فلسطين، ويتحرر المسجد الأقصى، وما ذلك من المؤمنين ببعيد، وإن غدا لناظره قريب: ﴿إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرا وَٱنتَصَرُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُوا۟ۗ﴾ [الشعراء:٢٢٧].

ما من شك أن من صور الفلاح الإلهي المحققة لإنسان الجهاد والمقاومة (شعبا ومقاتلين)، ثباته وصموده ورباطة جأشه، وتمسكه بأرضه وحقه، وعدم استسلامه لمخطط إخراجه من داره وتهجيره، رغم كل ما ينزل عليه من الخطوب والمصائب والآلام، وما يتكبده من الخسائر الإنسانية والمادية، بفعل ما يمارس عليه العدو من الإجرام والقتل والتقتيل البعيد كل البعد عن أخلاقيات الحرب والقتال، وهو يعبر عن ذلك الصمود والثبات ويعكسه بترديده الحمدَ والشكرَ لله، وسؤاله رضاه، واحتسابه الأجر والثواب عنده، فطوبى له فقد أفلح.

وهنيئا له هذا التوفيق الرباني في اختبار إيمانه وتمحيصه؛ فإنه سبحانه هو الذي يثبته ويربط على قلبه وينزل عليه السكينة، وهو "الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه، وإجراؤه بحمده فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله" (تفسير ابن القيم -سورة الفاتحة-).

يوم ٧ أكتوبر، يوم هزيمته الكبرى إلى حد الآن؛ يوم سقطت كل مسلماته الأساس التي ظل يرسخها طوال عقوده الماضية ويمجدها، وخاصة مقولته: "الجيش الذي لا يقهر"

  • إنسان الحالة الصهيونية الطغيانية الذي يختار طريق الباطل والفجور والشر إلى أقصى ما يمكنه، مثل حاله كما في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾[الملك:٢٢]. أي أنه يمشي متعثرا في طريقه، وهو ضال تائه لا يدري كيف يسلك ولا أين يذهب، وهذا المثل كما يصف البقاعي في تفسيره -كما لو أنه يشخص الحالة الصهيونية في المعركة التي نشهدها الآن- "كناية عن السير على رسم مجهول وأثر معوج معلول، على غير عادة العقلاء لخلل في أعضائه، واضطراب في عقله ورأيه، فهو كل حين يعثر فيخر على وجهه، لأنه لعدم نظره يمشي في أصعب الأماكن، لإمالة الهوى له عن المنهج المسلوك، وغلبة الجهل عليه، فهو بحيث لا يكون تكرار المشاق عليه زاجرا له عن السبب الموقع له فيه، ولم يسم سبحانه وتعالى ممشاه طريقا لأنه لا يستحق ذلك" (تفسير البقاعي).

هذا الإنسان نراه يجازى بسنته تعالى في خيبته وإفشاله في مساعيه؛ أعظمه ما عرفه في ذلك اليوم المشهود، يوم صدمته وصعقته وخيبته، الذي لا يفتأ يذكره في كل طلعاته ومناحاته أمام العالم، يوم ٧ أكتوبر، يوم هزيمته الكبرى إلى حد الآن؛ يوم سقطت كل مسلماته الأساس التي ظل يرسخها طوال عقوده الماضية ويمجدها، وخاصة مقولته: "الجيش الذي لا يقهر"، كما خاب وخسر النسبة الأعظم من رصيده من دعم العالم، حتى أصبح مكشوفا كذبه، مفضوحا خداعه، وعرف كل الناس – ولو متأخرين- حقيقته، فلا يصح إلا الصحيح، ولا أسرار تدوم على وجه الأرض.

وها هي ذي الاستشرافات لمستقبل يضطرب فيه ملكه ويزول، ويندحر فيه احتلاله، يخبر بها من هو من قومه وأهله، كما العديد من الخبراء والمحللين، وقبل ذلك جميعا، فإن هزيمته وزواله هو المصير اليقين كما في كتاب الله: ﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِبَعِید﴾ [هود:٨٣]، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء:٢٢٧]، ﴿بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف:٥٨-٥٩]، سنة الله قضاها لا تبديل لها ولا تحويل:﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب:٦٢]..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.