شعار قسم مدونات

في ذكرى الشاعر الفحل عمر أبو ريشة

الشاعر السوري عمر أبو ريشة فضلا
الشاعر السوري عمر أبو ريشة (الصحافة السورية)

مرت بنا في شهر أبريل، ذكرى مولد الشاعر السوري المخضرم عمر أبو ريشة، الذي أهملناه وأوشكنا أن ننساه.

ولد عمر أبو ريشة يوم 10 أبريل عام 1908 في عكا، موطن أمه. كان أبوه شافع أبو ريشة، قائم مقام لمنطقة حلب وما جاورها. عاش عمر طفولته في منبج، ثم انتقل بعد سن العاشرة لحلب ودرس بمدارسها، ثم أرسله أبوه إلى بيروت ليدرس في الجامعة الأمريكية.

عام 1929 سافر عمر لإنجلترا ليدرس الكيمياء في جامعة مانشستر، ولبث في إنجلترا ثلاث سنوات، لكنه لم يكمل تخصصه فعاد إلى حلب عام 1932.

بين 1949 و1970 تنقل بين مدن العالم وعواصمه، وكان حلقة وصل بين الجاليات الشامية ومواطنها، حيث عمل سفيرا لسوريا في البرازيل والأرجنتين وشيلي والهند والولايات المتحدة والنمسا

بين 1932 و 1949 أقام عمر أبو ريشة بحلب وتنقل بين مدن الشام وزار بغداد مرات، وناضل سياسيا ضد الانتداب الفرنسي، فكان إسهامه النضالي مهما في الحركة الثورية حينئذ، إلى أن اكتمل استقلال سوريا عام 1946. في تلك الفترة تثقف عمر أبو ريشة، وقوى رصيده العلمي، فأتقن الإنجليزىة والفرنسية إلى جانب العربية طبعا.

بين 1949 و1970 تقلد عمر أبو ريشة منصب السفير في أكثر من دولة، حيث عمل سفيرا لسوريا في البرازيل والأرجنتين وشيلي والهند والولايات المتحدة والنمسا. فتنقل بين مدن العالم وعواصمه، وكان حلقة وصل بين الجاليات الشامية ومواطنها، ونال العضوية في كثير من المؤسسات الثقافية الدولية.

تقاعد عمر أبو ريشة بعد 1970 وأقام ببيروت، وليس غريبا على لبنان، خاصة أن زوجته منيرة مراد هي من البقاع.

توفي عمر أبو ريشة في مرضه الأخير بمستشفى الرياض بالسعودية عام 1990، ثم نقل إلى حلب حيث دفن بها رحمه الله.

تطرق عمر أبو ريشة في شعره لكل الأغراض تقريبا، للغزل، والفخر، والحكمة، والرثاء، وله أيضا أشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

كان عمر أبو ريشة رحمه الله وفيا لأصدقائه، وكانت نفسه تذوب حسرة إذا خطف الموت أحدهم، وترى ذلك جليا في مراثيه المؤلمة

كانت روح عمر تخرج مع أشعاره، فلا يقول إلا بيتا صادرا من أعماق قلبه. ولعلك سمعت بتوجعه المشهور الذي باح به بعد نكبة 1948 حيث يقول:

أمتي هل لك بين الأمم .. منبر للسيف أو للقلم

أتلقاك وطرفي مطرق .. خجلا من أمسك المنصرم

ويكاد الدمع يهمي عابثا .. ببقايا  كبرياء الألم

أين دنياك التي أوحت إلى .. وتري كل يتيم النغم

كم تخطيت على أصدائه .. ملعب العز ومغنى الشمم

وتهاديت كأني ساحب .. مئزري فوق جباه الأنجم

إلى أن يقول أبياته الشهيرة:

ودعي القادة في أهوائها .. تتفانى في خسيس المغنم

رب وا معتصماه انطلقت .. ملء أفواه البنات اليتم

لامست أسماعهم لكنها .. لم تلامس نخوة المعتصم

ما أحوج أجيال اليوم إلى الرجوع إلى هذا الأدب الجميل، فبه تغتسل الأذهان وتصفو القرائح.

كان عمر أبو ريشة رحمه الله وفيا لأصدقائه، وكانت نفسه تذوب حسرة إذا خطف الموت أحدهم، وترى ذلك جليا في مراثيه المؤلمة، كرثائه لجميل مراد شقيق زوجته، حيث يقول من ملحمة طويلة:

يا مغاني لبنان هل هجع السمار وانفض عقدهم يا مغاني؟

أين ناد لنا سهرت عليه .. والليالي مطروفة الأجفان

كم أوينا إليه نغسل فيه .. صدأ العمر من غبار الزمان

تلك أشلاؤه يكفنها الصمت .. ويلقي بها إلى النسيان

فكؤوس الندمان ليس عليها .. أثر من مراشف الندمان

وبقايا الأوتار مخنوقة الأص .. داء منثورة على العيدان

ذاك ناد لنا، فيا روعة الأس .. رار نامي في حجرة الكتمان

يا حبيبي سالت حناجر تحنا .. ني فهل أنت سامع تحناني؟!

  • ومن عذب شعره قوله:

تلك الرؤى من باسمات شبابي .. ما زلت ألمسها على أهدابي

أيام أطلق للفؤاد عنانه .. وأنيخ في ليل السرور ركابي

إن الحياة جميلة إن أهلها .. عرفوا مكان جمالها الخلاب

  • أما غزل عمر أبو ريشة، فكله رقيق عذب زلال، واقرأ إن شئت قوله:

عدت لي؟ يا طولها من غربة .. خدر الصبر بها والألم

كيف ألقاك؟ وهل يرضيك أن .. يتعرى جرحي الملتئم؟

أمنياتي ذهب الماضي بها .. وخيالاتي طواها العدم

وبقايا ذكرياتي تعبت .. فهي لا تبكي ولا تبتسم

  • ويصف لك مرة بعده عن عشيقته وأنه لم يجد بعدها سرورا ولا سعادة فيقول:

كل ناد يممته لم تطب لي .. فيه كأس ولم يرق فيه ساق

كل حلم خبأته  في خيالي .. لم تشاهد أطيافه أحداقي

وأطلت المطاف في غيهب العمر .. ألف الإخفاق بالإخفاق

وأواري بين الجوانح ذكراك .. فتطفو على حواشي المآقي

  • وكذلك وداعيته العذبة بعدما رد إلى محبوبته رسائلها التي كانت تكتبها إليه وانتهت بذلك علاقتهما، فيقول:

قفي لا تخجلي مني .. فما أشقاك أشقاني

كلانا مر بالنعمى .. مرور المتعب الواني

وغادرها كومض الشو .. ق في أحداق سكراني

قفي لن تسمعي مني .. عتاب المدنف العاني

خذي ما سطرت كفا .. ك من وجد وأشجاني

صحائف طالما هزت .. بوحي منك ألحاني

خلعت بها على قدمي .. ك حلم العالم الفاني

لنطو الأمس ولنسدل .. عليه ذيل نسيان

فإن أبصرتني ابتسمي .. وحييني بتحنان

وسيري سير حالمة .. وقولي: "كان يهواني"

  • كان عمر أبو ريشة مداحا للنبي صلى الله عليه وسلم وله قصائد طويلة يمدحه بها، ومن جميل مدحه قوله:

أحمد وثبة الحياة إلى النو .. ر بحالي جمالها والجلال

أمر الله أن تفيء إليه .. كل نفس معتوقة من عقال

أين ناد للجاهلية رحب .. ما تخلى عن سامر ونقال؟

أين زهو الأصنام في كعبة الله وما حيك حولها من ضلال؟

لا تسل أين، كل أذن أصم .. رقصت في صدى أذان بلال

فإذا المؤمنون في الأرض سيل .. غاسل لوثة العصور الخوالي

ما أحوج أجيال اليوم إلى الرجوع إلى هذا الأدب الجميل، فبه تغتسل الأذهان وتصفو القرائح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.