شعار قسم مدونات

عن الصد والرد الإسرائيلي!

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (غيتي إيميجز)

قبيل الرد الايراني: مباشرة بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، قال الحرس الثوري الإيراني إنه سيعاقب "إسرائيل" حتما وذلك تلبية للمطالب الشعبية، أما رئيس هيئة الأركان محمد باقري فقد حمل الولايات المتحدة الأميركية المسؤوليةَ الرئيسية.

شعرت "إسرائيل" بالرعب فسارعت إلى وضع سفاراتها في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب تحسبا للتهديدات الإيرانية، كما سارعت أميركا إلى بناء "تحالف عسكري إقليمي" جديد بهدف هو حماية حليفتها المدللة من المسيرات والصواريخ الباليستية، فقد هب الغرب لنجدة "إسرائيل" وأخذوا التهديدات بكل جدية، وفرحوا بمساهمة "دول عربية سنية" إلى جانب دول غربية لحماية "الدولة" العبرية!

انطلقت إذن عملية الاستعداد التام لصد الهجمة الإيرانية الآتية من السماء، عبر تحالف من عشر دول من الأصدقاء. إذ وزع تحالف الدفاع الجوي MEAD المهام بدقة عالية فيما بين الشركاء، وهكذا تقاسمت تلكم الدول الكبرى البطولة مع حليفتهم الصغرى، وقاموا ببناء حائط صد متماسك لعلهم ينجحون في ربح الرهان أمام الهجوم الإيراني الوشيك، فبعد التأكد بأن الرد الإيراني قادم لا محالة، أخذ التحالف وقته كاملا في الاستعداد التام لصد الهجمة الإيرانية المرتقبة..

الهجمة التي لم تنفع الوساطات في وقفها أو التخفيف من وقعها على الكيان المرتعد، إذ جهز الملاجئ وصفارات الإنذار والحملة الإعلامية للتخفيف من هلع الجمهور، وكذا الحفرة السرية التي سيدير منها مجلس الحرب عملية الدفاع. وها قد حجزت إيران أجواء الشرق الأوسط لصالحها ساعات قبل ساعة الصفر.

الوضع الطبيعي أن تستقطب هذه الضربة كل وسائل الإعلام العالمية، ولكن ما حدث هو العكس تماما، إذ سارعت كبرى المؤسسات الإعلامية إلى التركيز على عمليات الصد، وتبعتها وسائل الإعلام "العربية" التي تنافست في متابعة المنظومة الدفاعية واعتراض الصواريخ الإيرانية

أثناء الضربة

مع انطلاق أولى أسراب المسيرات في اتجاه أهدافها، هرع الصهاينة المرعوبين إلى الملاجئ،  وانطلقت مخاوف الحلفاء على حليفتهم، وسارعوا إلى التنديد والوعيد والتحذير الشديد من التصعيد، أما الشعوب الإسلامية فأغلبها كانت تعيش فرحة فجر العيد، إلا بعض الفئات منها المتذاكية والطائفية والمكوية، فقد أجمعوا قبل الضربة على أنها لن تكون أبدا، وأن "الوعد الصادق" لن يعدو صيحة جديدة سرعان ما تغرق في نهر "الصبر الاستراتيجي"، وإذ لم يصدقوا أن الوعد هذه المرة صادق فقد سقط في أيديهم أجمعين وكانوا من المحرجين، فلم يجدوا بدا من الاختفاء وراء سردية العدو وحلفائه المتكالبين وذلك بالتركيز على فعالية الصد بدل عبقرية الرد التاريخي للإيرانيين.

ها قد تسمرت الجماهير في العالم لمتابعة العقاب الإيراني غير المسبوق، وقطع الرئيس الأميركي إجازته الأسبوعية وعاد فورا للبيت الأبيض، وها هي الجماهير في العالم مشدودة إلى الشاشات بكل أحجامها، وفعلت وسائل الإعلام فعلتها التي تتقنها، إذ بإمكانها تنوير الرأي العام وتقريبه من الحقيقة، كما بإمكانها تضليله وتغييب الحقيقة عنه، وهو ما حصل بالفعل، فالجديد في تلك الليلة هو أن تضرب إيران مباشرة من أراضيها عدوها، وهي ضربة تاريخية بكل المقاييس غير مسبوقة، وهي ما جعل العالم يقف على رجل واحدة وينتظر..

والوضع الطبيعي أن تستقطب هذه الضربة كل وسائل الإعلام العالمية، ولكن ما حدث هو العكس تماما، إذ سارعت كبرى المؤسسات الإعلامية إلى التركيز على عمليات الصد، وتبعتها وسائل الإعلام "العربية" التي تنافست في متابعة المنظومة الدفاعية واعتراض الصواريخ الإيرانية، مع استثناء نادر لبعض القنوات المهنية، أما وسائل التواصل الاجتماعي فكانت في الموعد وقامت بالواجب حيث تم رصد وصول الصواريخ للأراضي المحتلة مع الفرحة والتهليل، وهذا ما أفشل عملية التضليل، إذ كان القصد التهوين من الرد الإيراني ويتم تضخيم الصد الجماعي بمزيد من التهويل!

سارعت الدولة العبرية ومن والاها إلى التهويل من شأن عملية الصد، وقام الجانب الإيراني باستعادة "صبره الاستراتيجي" مكتفيا بإيصال الرسالة على الهواء مباشرة وأمام العالم بأنه يستطيع الوصول إلى عدوه وإن ساعدته أقوى دول العالم، وفعلا قد وصلت الصواريخ لأهدافها بغض النظر عن مستوى تدميرها، إذ يركز خصوم إيران من العرب على حجم الدمار الذي رسموه في أذهانهم وتوقعوه من دولة يكرهونها، ويحاكمونها على أساسه، وكأنها اتفقت معهم على ذلك! دهاء وذكاء الإيراني كان مبهرا فعلا ويستحق الثناء، ولا عزاء للضعفاء.

بعد الضربة

مباشرة بعد إعلان إيران انتهاء عملية "الوعد الصادق" سارع قادة الدولة العبرية إلى تبادل التهاني والتفاخر بمستوى الرد وتداولوا نسبة نجاح وصلت إلى 99% وهي نسبة ليست غريبة عن منطقة الشرق الأوسط ونواحيها، وكأنهم تأثروا بالجيران، وهي النسبة التي تلقفها الإعلام العالمي فنشرها على نطاق واسع، وبالتأكيد وصل صداها للقنوات "العربية"، التي لم تقف عن ذلك الحد بل وصفت العملية برمتها بأنها "مسرحية".

ويبدو أن إطلاق وصف المسرحية من هؤلاء الأعراب بمختلف فئاتهم، الملتحية وغيرها، ينسجم مع حالتهم النفسية المرضية، فإذا فرح الإيرانيون ومحور المقاومة بنجاح العملية ومستوى الرد المدروس، وأعلن العدو وحلفاؤه نجاح المنظومة الدفاعية، فلم يبق ثمة من نجاح يفتخر به من دول عربية مشاركة في المسرحية، وما "تسريبهم" بأنها مسرحية إلا لأدوارهم غير المشرفة في تلك المسرحية، فليس لهم فيها ما يفتخرون به، سوى مساعدة الأعداء، والمساهمة في محاصرة المقاومين الأشقاء.

إن الهدف من ترويج المسرحية معروف وهو التهوين من الرد الإيراني، والحفاظ على صورة الصهيوني المتفوق، سواء روجها المروجون والمرجفون عن وعي أو بكي وعي.

لماذا مسرحية وليست مصارعة استعراضية؟

وأنا أتابع أوركسترا المرددين لنظرية "المسرحية" تساءلت لماذا يصرون على المسرحية متجاهلين شكل المصارعة الحرة WWE ، بحيث تكون "إسرائيل" وحدها في الحلبة مع إيران، وقد تم استبعاد هذا الشكل الفني المثير على ما يبدو لأنه سيأتي على ما تبقى من صورة "إسرائيل" التي روج لها طيلة عقود من الزمن.

فمعروف أن هذه العروض وإن كانت تتضمن سيناريوهات معدة سلفا لضبط العلاقة بين المتصارعين، فإنها تعتمد بكل تأكيد على بنية جسمانية غير عادية، ومهارات تقنية عالية تؤهل المتنافسين لخوض غمار المصارعة، لذلك ليس من السهل دخول الحلبة دون تداريب قاسية والتوفر على المواصفات المطلوبة لخوض مبارزة قوية "وجها لوجه"، ومباشرة أمام جماهير غفيرة متعطشة للمنافسة والانتصار.

ويبدو أن اعتماد شكل WWE سيجعل من قوة البطل الإيراني محطمة لصورة "البطل الصهيوني الخارق"، التي تم ترسيخها عبر الدعاية في أذهان الجماهير العالمية بأنه "بطل لا يهزم"، لذلك كان لا بد من ترويج شكل آخر لا تتم فيه المواجهة "وجها لوجه" حفاظا على ماء الوجه.

إن الهدف من ترويج المسرحية معروف وهو التهوين من الرد الإيراني، والحفاظ على صورة الصهيوني المتفوق، سواء روجها المروجون والمرجفون عن وعي أو بكي وعي.

​ولقد كانت "عملية تحدي" أمام العالم، على الهواء مباشرة، فلأول مرة في التاريخ سيشاهد العالم هجوما على الهواء بين "دولتين" تبعدان ٢٠٠٠ كلم عن بعضهما، والذي زاد التحدي تشويقا إلغاء عنصر المباغتة والمفاجأة، فإيران ستهاجم أهدافها المحددة وأمامها دفاعات عشر دول في كامل ترقبها واستعدادها ويقظتها.

فالتحدي هو منع إيران من الوصول إلى "إسرائيل"، وإذا وصلت فقد ربحت الرهان وكفى. لكن الحقيقة التي لا ريب فيها أن الصواريخ وصلت لأهدافها متلاعبة ومتجاوزة لكل المنظومة الدفاعية الجماعية الذكية، وربحت إيران التحدي من أول مرة ولو بنسبة أعلنها عدوها الذي عادة ما يخفي خسائره ولديه رقابة عسكرية.

أما رد "إسرائيل" على إيران بمسيرة صغيرة فقد وصفها واصف من أهلها بكلمة لا شية فيها وغرد بأنها "مسخرة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.