شعار قسم مدونات

وساوس الشيطان ما بعد الطوفان!

صورة من كلمة أبو عبيدة
من كلمة المتحدث باسم كائب القسام أبو عبيدة بعد 200 يوم من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (الجزيرة)

هل أخطأت المقاومة فيما فعلت يوم اجتاحت الغلاف، وفيه نارا أشعلت، وقتلت ما قتلت وأسرت من أسرت!

أليس ما فعلت قد تسبب بكل هذا الدمار والمعاناة الفلسطينية؟ فدمر الاحتلال معظم المنشآت والمباني والبنية التحتية، وقتل وأصاب مائة ألف ما بين طفل ورجل وصبية، وجاءت بالبلاء الذي لم تعرف مثله كل البرية.

هل كانت الحكمة تقتضي أن تراكم المقاومة مزيدا من القوة؟ وتنتظر تغير الموازين العالمية والإقليمية قبل أن تبادر بضربة بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر؟

وهل تتحمل المقاومة مسؤولية ما حدث بعد ذلك وما جرت البلاد إليه من الدمار والمهالك؟ وهل وهل؟

مليون سؤال وسؤال يطرح نفسه علينا صباح مساء منذ مائتي يوم تقريبا، وتظهر بعد كل مجزرة وعند كل شهيد، ومع كل قصف وتدمير وبين كل صرخة وصرخة، ونظرة ألم، ومرارة فقد، ولحظة عسر..

تتأمل قول الله تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين".. ألم يشف صدورنا ما حدث في السابع من أكتوبر؟ أليس ذلك تاريخا لا يمكن مسحه ولا نسيانه!

ثم تقفز الأسئلة حول المستقبل؟ ما مصير غزة وهل سيهجر شعبها؟ وهل ستنتهي أسطورة مقاومتها؟ وهل سيسمح الغرب لنا بامتلاك قوتنا؟ وهل، وهل؟

ثم تأتي عشرات الإجابات ممن اصطفوا مسبقا ضد المقاومة وفي طابور التطبيع مع العدو لتزيد حيرتنا حيرة، وتضيف لحسرتنا حسرة، وتضع على حرقتنا حرقة، وعلى جمرتنا جمرة.

من هؤلاء الذين يختفون خلف سايكس بيكو ويصرخون في وجوهنا دون أي انتماء لتاريخ أو حضارة أو دين أو قيم، كأنهم رؤوس الشياطين ورسل إبليس اللعين، وجيش المنافقين، وموكب المنهزمين والمثبطين والمتخاذلين.

تكتشف أن حكمتهم زائفة، لأن وجوههم خائفة، وأيديهم راجفة، وحياتهم بائسة، وهويتهم تائهة. فهم في الإثم غارقون، وفي الجهالة ضائعون، وفي ملذاتهم وتفاهاتهم متمسكون.

ثم تبحث في سير الأولين، وسنن السابقين، ومدارك السالكين، وتتأمل قصص النبيين والمرسلين والفاتحين والمصلحين وقصص الصحابة والتابعين، وما مروا به من أحوال وأهوال، ومصاعب ومتاعب وكوارث، وتتساءل عن حكمتهم وتعقلهم، فلماذا ألقوا بأنفسهم في المهالك؟ ولم يبحثوا عن أيسر المسالك، بل خاضوا البحار وقطعوا الجبال وقاتلوا وقتَلوا وقُتِلوا حتى انتصروا وغيروا الظروف والأحوال لكل العباد، ونشروا الخير والرشاد، وحصحص الحق، وانتصر الصدق، واندحر الغزاة، وتحررت النفوس والعقول.

ثم تتأمل قول الله تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين". ألم يشف صدورنا ما حدث في السابع من أكتوبر؟ أليس ذلك تاريخا لا يمكن مسحه ولا نسيانه!

أليس ما حدث فيه دليلا على أننا لم نمت ولم ننهزم ولم نستسلم؟ أليس ما حدث دليلا على شدة بأسنا وقوة عزمنا وشجاعة نخبتنا؟ أليس كل ما يجري بعده محاولة بائسة لمسح عارهم؟!

أليست وجوههم كالحة منذ ذلك اليوم؟ ألا يقربنا ذلك من فهم معنى "ليسوؤوا وجوهكم"؟ فها هي وجوه قادة العدو أكثر سوءا بعد السابع من قبله؟ ألم يكونوا يبشروننا بمزيد من الانهيارات والتطبيع وأن فلسطين لم تعد قضية تستحق الاهتمام، وأنه قد تاه عنها الحكام، وغفل عنها معظم الأنام؟ وبتنا نشعر أن هدم الأقصى أصبح قاب قوسين أو أدنى بعد اقتحامات بن غفير، ومخططات سموتريتش والمستوطنين.

ألم يفتح الطوفان بابا واسعا لضرب هذا الكيان الهش من كل حدب وصوب وبكل أنواع الضرب؟ ألم يتسبب الطوفان بشلل حياته في الشمال بسبب ضربات الحزب وغير الحزب، من مجموعات المقاومة الفلسطينية واللبنانية؟

ألم يبشر نتنياهو نفسه شعبه لينتخبوه بأن قطار التطبيع سينطلق، وأن عهدا من الاستعلاء جديد سيبدأ، وأن كل الحصون العربية وغير العربية ستنهار عند أقدام إسرائيل، وأن كل خيرات المنطقة ستكون تحت تصرف اليهود الصهاينة، وأن من سيتخلفون عن الركوب في هذا القطار سينالون أقسى العقاب وأشد الجزاء، وسيتم وضعهم في هامش الأعداء وينزل عليهم كل أنواع البلاء!

ثم ألم ينجح الطوفان في تحريك العالم كله ليرى بشاعة هذا الاحتلال وشراسة قادته الذين أصابتهم لوثة جنون، وفقدوا القدرة على ضبط النفس، وانكشفت حقيقتهم وهمجيتهم التي حاولوا إخفاءها منذ عشرات السنين عندما لوحوا برايات السلام وأغصان الزيتون وجرجرونا إلى أوسلو ومدريد وكامب ديفيد وباريس، ولبسوا مسوح الرهبان ورسل الخير وقدموا وعود الرفاهية وراحة البال وجمال المستقبل!

أليس هؤلاء الذين صفق لهم العالم ومنحهم جوائز نوبل للسلام هم من يحاكمهم العالم بتهم ارتكاب الإبادة وقتل الأطفال والنساء وكل جرائم الحرب والعنصرية! ألم تكتشف البشرية سوءهم وبربريتهم التي حاولوا إخفاءها! أليس ذلك بحد ذاته إنجازا لم يكن ليتحقق لولا الطوفان ولولا خروجهم عن طورهم وإخراجهم من أقنعة الزيف التي كانوا يواجهون العالم بها!

ثم لنكن أكثر تركيزا، ألم يفتح الطوفان بابا واسعا لضرب هذا الكيان الهش من كل حدب وصوب وبكل أنواع الضرب؟ ألم يتسبب الطوفان بشلل حياته في الشمال بسبب ضربات الحزب وغير الحزب، من مجموعات المقاومة الفلسطينية واللبنانية؟

ألم يضربه اليمن رغم بعد المسافات؟ ألم يرسل الصواريخ والمسيرات؟ ألم يلاحق سفنه ويمنعها من المرور في البحار والقنوات، ألم يسبب له ولاقتصاده مصاعب وخسارات!

ألم يضربه العراق مرات عديدة رغم المسافات البعيدة! ألم تصل مسيرات العراق إلى إيلات وتوجه ضربات سديدة! ألم تتسبب لذلك الميناء بشلل وخسائر أكيدة!

ثم جاء الطوفان بما انتظره العالم منذ زمان. ألم تتجرأ على هذا الكيان جمهورية إيران؟ ألم توجه له وابلا عظيما من النيران وجعلت ليلته تلك حافلة بالمآسي والأحزان؟

إن أملنا بالله عظيم واعتقادنا أن كل ما يجري قدر محتوم ولنا فيه نصيب مقسوم كان منذ الأزل في كتاب مرقوم!

وهنا سؤلي، هل أخطأنا يوم السابع من أكتوبر؟ الإجابة لديكم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.