شعار قسم مدونات

ما لم تقم على الأرض فلن تقوم في النفوس

blogs-islamist
من المقولات التي تبين أنها خاطئة تماما "أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم على أرضكم" والتي تنسب إلى المرشد الثاني للإخوان المسلمين المستشار (حسن الهضيبي). وقد كان محدّث العصر ناصر الدين الألباني يزكّي هذه المقولة في غير مناسبة، مع أن الألباني يختلف – حد التنافر- مع الإخوان، وقد أُردفت المقولة وزُيِّنَت وجرى ترويجها بأدعية وابتهالات في ليالي رمضان وغيره مثل "اللهم أقم دولة الإسلام في نفوسنا كي تقوم على أرضنا"..

وللأسف ترسخت تلك المقولة وعاش كثيرون وهما، أشكر الله أنني لم أحياه يوما واحدا، فقد أدركت الحقيقة مبكرا، مع قناعة مؤكدة أن تلكم المقولة لا علاقة البتة بينها وبين قول الله تعالى في سورة الرعد: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} بل لربما ثمة تضاد.

كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك، والربا هو أساس الاقتصاد؟ كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك وأنت تبني وغيرك يهدم؟

كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك، وثمة غربيون يتدخلون في كل شؤون حياتك؟ ولديهم وسائل ناعمة وخشنة وماكرة لفرض كل ما يتناقض مع الإسلام بالتدريج الذي لا يعرف الكلل ولا الملل في تفصيلات حياتك؟ كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك ومناهج تعليمٍ ووسائل تربية ووسائل إعلام عملاقة تقوم في جزءٍ كبيرٍ منها على مناقضة أساسيات العقيدة والشريعة بل محاربتها واستهداف أهلها؟ كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك، والربا هو أساس الاقتصاد؟ كيف ستقيم دولة الإسلام في نفسك وأنت تبني وغيرك يهدم؟

ستقول: بإحسان تربية أولادك على الدين والخلق الحسن والنموذج الفلاني… إلخ، يا سلام عليك! وهل نسيت أن ثمة مؤثرات أقوى من أي تربية أسرية، وهذا الذي سأربيه على الدين والتقوى كيف سيواجه ظروفا وغالبية تناقض الدين وأصوله، ثم أين سيعمل وكيف سيعيش؟

ستعيدني إلى زمن ولّى من غير رجعة، حينما كان أهل الدين من كافة الاتجاهات يستطيعون العيش في دول ومجتمعات تناقضهم؛ فكانوا في مظهرهم الخارجي، يختلفون عن محيطهم، وأوجدوا لأنفسهم مؤسسات ومرافق تتواءم مع فكرهم وطريقة حياتهم وثقافتهم، فكانت لهم مدارسهم الخاصة، بل وأحيانا جامعاتهم الخاصة، ونواديهم الرياضية الخاصة، وعياداتهم بل مشافيهم الخاصة.

وهي مؤسسات جهد القائمون عليها بأن تكون متوائمة مع ثقافة وحياة الملتزمين والمتدينين؛ فلا يُفصل الموظف أو العامل لأنه أعفى اللحية، ولا تُعاقب المرأة بالحرمان من العمل لأنها ترتدي الحجاب، وكانت تلك المؤسسات مع عوائل الملتزمين فعلا تشكل لهم حاضنة في مجتمع هم غرباء عنه عمليا، وهي بالإضافة لكونها بيئة لثقافتهم وسلوكهم، كانت مصدر دخل يضمن لهم عيشا كريما.

ثم ماذا؟ لقد وصلت البيروقراطية والفساد إلى تلكم المؤسسات، وأيضا لم تعد تستوعب الأعداد الكبيرة، فالغرباء صاروا نسبة تجعلهم أغلبية رغم غربتهم! والأشد والأنكى أن محاربة ما يسمى (الإرهاب) ضيقت على الملتزمين كثيرا، فحوصرت مؤسساتهم، وفرض عليهم ما صاروا يفعلونه من باب (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) واضطروا إلى تقديم تنازلات في سلوكهم وصولا إلى فكرهم.

أي أن إقامة دولة الإسلام في النفوس أدت إلى كارثة على الأرض، وإلى تمزيق عُرى الدين والترخص في قبول الدنية فيه للأسف. وعليه أرى أنه وجب الإقرار بأن من أكبر الأخطاء تلكم المقولة والعمل بمقتضاها لأنه تبين بالتجربة والبرهان أنه إذا لم تقم دولة الإسلام على الأرض فمحالٌ أن تقوم في النفوس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.