شعار قسم مدونات

حلب المحاصرة والتقسيم السيكولوجي

A man pushes a cart with belongings as he flees deeper with another man into the remaining rebel-held areas of Aleppo, Syria December 13, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail

لا أعرف من أين أبدا في الكتابة، ولا أعرف كيف أُنعي مدينة حلب، مدينتي التي ولدتُ ونشأتُ وتربيتُ فيها أرى اليوم ما يحدث فيها ولكن ليس بوسعي فعل شيء سوى الدعاء لها، فما حدث في حلب بعد الهجوم الهمجي، العنيف، البعيد عن الإنسانية كما تبعد السماء عن الأرض الذي قام به الأسد وحلفائه لم يحدث ولا في أي مدينة قط.
 

كم هو مُحزن أن حلب الكلمة المؤلفة من ثلاث حروف والتي كانت تختصر معنى الجمال ومعنى الصمود ومعنى الحرية والأحرار أصبحت وباختصار تختصر الكثير من المعاني المضادة تماماً؛ ففي الأحياء المحاصرة في حلب تُغتصب النساء، وتُنتهك الحرمات، والشهداء على الأرض مستلقين ليس هناك من يدفنهم، والعالقين تحت الركام تُسمع أصواتهم ولكن.. ليس هناك من ينقذهم، في حلب المحاصرة لم يبقى حجراً صامد، ولم يبقى مستشفى إلا وخرج عن الخدمة، ولم يبقى شخصاً في هذه الرقعة الجغرافية المحاصرة التي لا تبلغ الأربعة كيلو مترات إلا وفعل ما بوسعه لمساعدة الآخرين وكل هذا وذاك والعالم والوطن العربي في صمت سيتلقونا حسابه يوم القيامة.
 

بأي دينٍ؟ وبأي سياسة؟ وبأي حربٍ ودولة يحدث أن يحاصر أكثر من مئة ألف مدني خيارهم الوحيد هو الموت في منطقة جغرافية لا تبلغ مساحتها كما ذكرت الأربعة كيلو مترات.

ولكن مشكلتي ليست هنا فمن عادت الأمم المتحدة ودول العالم القلق والانزعاج ومن عادة النظام وحلفائه وميلشياته القتل والتهجير والتشريد. ولكن ما أبكاني أكثر في وضع حلب ما يفعله الأحياء التي يبسط النظام عليها سيطرته فـ أحياء حلب الغربية ترقص وتهتف وتغني وتدق الطبول فرحاً بما سموه بالانتصار ولا أعلم عن أي انتصارٍ يتحدثون وكأن بشار الأسد هو من انتصر وسيطر وهي الذي سيعيد سيادة البلاد، فكم هو مضحك ومبكي فأحياء لا تبعد عن بعضها سوى أمتار أحدهما يرقص والآخر يموت. وبهذا وذاك أصبحت حلب مقسمة سيكولوجيا وسياسياً وحدودياً.
 

فلا خيراً في أناس يتمنون الموت لأبناء بلادهم، لأبناء مدينتهم، فأعتذر لقد وصلت إنسانيتنا إلى هذا الحد. ولكن سؤالي هنا ماذا لو قلبَ اللهُ سبحانه وتعالى الموازين ومكّن الجيش الحر من السيطرة على أحياء في حلب كان يسيطر عليها النظام وقصف النظام هذه الأحياء بحجة طرد الإرهابيين،فماذا سيكون رد هؤلاء؟! سأترك الإجابة لهم لأن هذا سيحدث في يومٍ من الأيام، اعلموا أن الله حق وإن أشخاص كلمتهم الأولى والوحيدة وبالرغم كل ما يحدث فيهم "يا الله" فلن يغلبوا ولكن لكل حصان كبوة وسيأتي يوماً وينتصرون ويعيدون لحلب شرفها ورايتها الخضراء.

 

فما أود أن أقول أخيراً إلا كلمات قليلة تقول: هل صار الموت يؤجر أم أن الأرواحَ قد رُخصت أم أنه لم يبقى للأرواح معنى قط؟ فبأي دينٍ؟ وبأي سياسة؟ وبأي حربٍ ودولة يحدث أن يحاصر أكثر من مئة ألف مدني خيارهم الوحيد هو الموت في منطقة جغرافية لا تبلغ مساحتها كما ذكرت الأربعة كيلو مترات.
 

وسأنهي مقالي بسؤال يجب أن نجيب جميعنا عليه: لماذا سميتُ إنسانا وأنا لا أعرف معنى الإنسانية؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.