شعار قسم مدونات

قاهرتين وسطحين وغيتارين

blogs - cairo

لم تكن مصادفة أن تتخذ أغنية عمرو دياب ومحمد منير الأخيرة المعنونة "القاهرة ونيلها"، من سطح جناح فاخر أعلى برج يطل على نيل القاهرة، مسرحا لتصويرها ونشرها في الصورة النمطية المعروفة باسم "فيديو كليب". المغني الرئيسي دياب والضيف منير لا يعيشان في القاهرة تبعا لما هو موثق في الخمسة أعوام الأخيرة، بل إن الأخير تواجد في القاهرة لأقل من 72 ساعة لتصوير المشهد. تعود الاثنان على استخدام السياق البصري لمدن أوروبية مسرحا لأغانيهم، أو أن يبعدا تماما عن القاهرة حيث يجدا في مجتمعات المنتجعات الشاطئية المغلقة مجالا لتصوير أغانيهم.

حالة شرم الشيخ والغردقة مثالية لكلاهما، وهي مدن تحولت بكاملها إلى مجتمعات مغلقة يمنع غالبية الشعب المصري من حتى الوصول إليها. يجلس الاثنان ومعهم مجموعة من العازفين يبرز بينهم عازف الة الجيتار اللاقاهرية. يندمج الجميع في التمتع بحديقة السطح الرائعة والاطلالة الفريدة على نيل القاهرة وتنطلق من حناجرهم جمل الشاعر تامر حسن قائلين:
 

"القاهرة ونيلها وطول ليلها
وأغانيها ومواويلها وحكاويها آه يا جمالها
القاهرة تجيلها تحنلها
وتهواها ما تنساها وتتحاكى بأحوالها"
 

يتأمل المشاهد العرض ويندهش من منير وهو يضرب بيده على خدوده، (فكرة اللطم على الخدود في الثقافة الشعبية المصرية ترتبط بمواجهة المصائب الكبرى!!)، وكأنه قد ايقن مبكرا انه في مأزق وهو على السطح الفاخر يتحدث عن قاهرة لا يعرفها الا نسبة شديدة المحدودية من سكانها. اما باقي اهلها فهم في حالة معاناة يومية مستمرة مستدامة، بل ان المدينة ترفضهم وتهمشهم ويبنى حول نيلها حوائط عالية وبوابات عملاقة، تفصله عنهم كل الفصل.
 

"هما ليهم قاهرتهم اللى بيشوفوها من لندن وبرلين .. واحنا لينا قاهرتنا اللى بنشوفها فى شبرا والعباسيه والسيدة عيشه والحسين وكل المناطق العشوائية"" . كريم الشافعي.
 

تنشيط السياحة في مصر لن يتحقق إلا باحترام أهل مصر وعدالة التعامل معهم وخاصة في حقوقهم.

من هذا المنطلق، لم يكن مفاجئا ان تقدم صورة مزيفة للأغنية ولكنها شديدة الصدق والاصالة. نعم فقد قام بعض اهل القاهرة المهمشين الحقيقيين بإعادة صياغة الاغنية باستخدام نفس اللحن ونجحوا في انتاج الصادق المزيف او المزيف الصادق.

فمن جانب، فقد استخدمت المجموعة سطح حقيقي وانتجت فيديو كليب في موقع يتطابق مع الالاف اسطح العمران غير الرسمي الذي كان الملجأ الاخير لتلبية احتياجات المجتمع المحلي من مأوى لأسرهم واولادهم، هؤلاء المهمشين هم مجموعة من الشباب المصريين الهواة قاموا بإنتاج فيديو كليب ساخر يحاكي أغنية دياب ومنير "القاهرة ونيلها"، تحت عنوان "القاهرة تسبلها". الأغنية من كلمات أحمد عبد الحميد، وغناء محمد إسماعيل وألحان عمر محمد، واعتمدت المجموعة على التصوير على سطح إحدى البنايات غير منتهية البناء، ويظهر فيها عمارات بالطوب الأحمر والشوارع الضيقة التي يسكن فيها معظم سكان القاهرة.
 

"القاهرة بشيلها بمشاكلها وبلاويها.

انا شايلها بقالي سنين على حالها.
القاهرة تجيلها تسبلها وتلعنها وتشتمها وتتمنى تغور منها".
 

ملاحظة ختامية:
ما بين قاهرة دياب ومنير وقاهرة اسماعيل وعبد الحميد، يتبلور مشهد الانفصال الكامل بين واقع مؤلم وطرح غنائي خيالي مزيف منفصل كامل الانفصال عن المجتمع. المدهش ان مؤلف الاغنية وهو يدافع عنها قال ما معناه انها مساهمة في تنشيط السياحة في مصر، وهو هنا لا يعي ان تنشيط السياحة في مصر لن يتحقق الا باحترام اهل مصر وعدالة التعامل معهم وخاصة في حقوقهم. ما بين الاغنيتين ايضا، لا يدهشك ان تقرأ تصريحا لوزير الاسكان يقول فيه انه لن يتضرر مواطن مصري واحد من سكان منطقة ماسبيرو اثناء تطويرها وتحويلها الى مناطق ابراج سكنية وفندقية وتجارية. اعتقد ان منير يحتاج ان يلطم مرة بل مرات اخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.