شعار قسم مدونات

هل انتهى الصراع الثنائي في مصر؟

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi reviews the troops at the Defense Ministry in Paris, France, October 23, 2017. REUTERS/Thibault Camus/Pool
على مدى عقود منذ نشأة التيارات الجهادية في مصر، ومن قبلها جماعات العنف المنتمية لأحزاب كأصحاب القمصان الزرقاء المنتمية لحزب الوفد أو المنتمية لجماعات شيوعية كحركة حدتو؛ كان الصراع دائما بين طرفين، النظام السياسي من جهة والقوة المناوئة له من جهة أخرى، وكان النظام وما زال يلغي أي قوى أخرى ويدفعها دفعا إلى هذا الصراع الثنائي.

وقد استفاد النظام بأقصى قدر ممكن من ترسيخ الصراع الثنائي، حيث يضع نفسه في خانة الدفاع عن الدولة والنظام والوطن بينما يضع الطرف الثاني أيا كان اسمه في خانة المجرم المعتدي الساعي لهدم الدولة، وحتى عندما انتهت كل الحركات المناوئة له التي تستخدم العنف؛ لم يستطع التخلي عن هذه الفكرة المركزية الحاكمة في صراعه، فهو يبني الصراع على هذه الفكرة ولا يمكنه تغييرها.

لذلك عند قيامه بانقلاب يوليو 2013 قام بصناعة هذا العدو المبني على تلك الفكرة ومهد قبل الانقلاب لذلك ليحمل تيار الإخوان المسلمين راية الطرف الآخر في المعركة التي لا يحسن النظام غيرها، وهي حماية الدولة من العنف والإرهاب، حتى أنه لم يستطيع في خطاب التفويض الشهير إلا أن يذكر أنه العنف والإرهاب المحتمل.

يحاول النظام السياسي دائما عزل أي قوى تنظيمية يراها مناوئة له عن الشعب، ودائما ما يحرك الصراع إلى صراع مواجهة مفتوحة مع التنظيمات بعد تمهيد الأرض لسحقه تماما
يحاول النظام السياسي دائما عزل أي قوى تنظيمية يراها مناوئة له عن الشعب، ودائما ما يحرك الصراع إلى صراع مواجهة مفتوحة مع التنظيمات بعد تمهيد الأرض لسحقه تماما
 

وهذه الثنائية التي استبعدت القوى الشعبية من مركز الصراع كانت دائما في صالح النظام السياسي، حيث لا يمكن لأي تنظيم مهما كانت قدراته وعدده أن يخرج عن كونه تنظيم يمكن ضربه ضربات عنيفة أو اختراقه أو تدمير الرأس القيادي، خاصة في صدامه مع الدولة المالكة الحصرية والمحتكرة للقوة، فيخسر كثيرا من قدراته التنظيمية والعملية، لذلك فإن المعارك العنيفة بين التنظيمات مع الدولة مهما كان حجم التنظيم السياسي في النهاية يفتقد لأي توازن للقوى؛ وخاصة في غياب الدعم الشعبي، فما بالك لو كان الدعم الشعبي للدولة.

لذلك يحاول النظام السياسي دائما عزل أي قوى تنظيمية يراها مناوئة له عن الشعب، ودائما ما يحرك الصراع إلى صراع مواجهة مفتوحة مع التنظيمات بعد تمهيد الأرض لسحقه تماما، وما حدث بعد 2011 أنه وجد مشكلة في طبيعة الصراع ولم يستطع الانتصار في العملية السياسية التي تستند أساسا على الشعب، فحول دفة الصراع إلى الصراع المسلح المُتَخيَّل الذي يريده مع التنظيمات.

إلا أن الأزمة الكبرى التي لم يستطع حلها هو وجود قوى أخرى دخلت في الصراع لم يعهدها قبل ذلك، فالصراع الثنائي العسكري فقط هو ما يجيده أما ظهور متغير في المعادلة يفقده الميزة النسبية التي يعتمد عليها في صراعه الثنائي، فقد ظهرت قوى جديدة كسرت الثنائية التي يستميت عليها النظام، لذلك حاول تجاهلها والإصرار الإعلامي على تصدير الصراع على أنه صراعا ثنائيا.

معركة الواحات وما قبلها وما سيكون بعدها كسرت كل محددات الصراع التقليدي القديم ولا تزال القوى التنظيمية تحاول إنكار ما حدث

وقد استطاعت الأحداث المتتالية والقوية أن تؤكد وجود قوى أخرى أصبح من المستحيل إنكارها أكثر من ذلك، الأحداث الأخيرة كانت صدمة كبيرة للنظام ليس فقط بسبب حجم قوتها والخسائر الكبيرة التي تعرض لها؛ ولكن من حيث تأكيدها على استحالة إنكار تلك القوى، وعلى الجانب الآخر؛ "فالمعارضة" في بعض أطرافها لا تقل الصدمة قوة، حيث يوجد داخل قطاعات القوى المعارضة للنظام ما يحبذ أيضا بقاء الصراع الثنائي وعدم دخول أي قوى أخرى في معادلة الصراع، حيث أن دخول تلك القوى في الصراع يخلط الأوراق.

فمشروع 30 يونيو هو مشروع نخبوي يتمنى أن يبقى الصراع الحالي محصورا في هذه الثنائية، فهي ما تجعلها دائما موجودة بشكل ما في المشهد، ولذلك تتحرك بقوة لحل الصراع بشكل سياسي – أو هكذا يقولون – بين طرفي الصراع قبل اتساع رقعة القوى الشعبية الصاعدة بما لا يسمح بتفتيتها، وكذلك بعض القوى التي تنتمي لمعسكر 25 يناير، فهي ترى القوى الجماهيرية في مساحة معينة ولا تقبل أن تتجاوز تلك المساحة لأنها تغير أيضا من معادلة الصراع.

فهي تريد القوى الجماهيرية لمساندتها في مشروعها وليس في مكان آخر بمشروع آخر، ولذلك نرى الطرفين؛ النظام من جهة يرى التنظيمات بكل أنواعها هي صاحبة معركة الواحات، وفي الطرف الآخر نرى بعض التنظيمات تؤكد أن النظام هو من قام بتصفية ضباطه، وهو تعبير عن رغبة كل منهما في أن تكون هذه الحقيقة أكثر من اقتناعهما بذلك، لأن كلاهما يدرك أن دخول قوى شعبية ليست تحت مشروعيهما في معادلة الصراع هي نهايتهما معا.

أكدت معركة الواحات أن الحلم البائس القديم قد شارف على النهاية، وأن ثنائية الصراع باتت على وشك الأفول بغير رجعة، وأن الجميع سيدفع الآن ثمن هذا الصراع
أكدت معركة الواحات أن الحلم البائس القديم قد شارف على النهاية، وأن ثنائية الصراع باتت على وشك الأفول بغير رجعة، وأن الجميع سيدفع الآن ثمن هذا الصراع
 

معركة الواحات وما قبلها وما سيكون بعدها كسرت كل محددات الصراع التقليدي القديم ولا تزال القوى التنظيمية سواء مؤسسات الدولة أو قوى مشروع 30 يونيو أو بعض قوى الصراع تحاول إنكار ما حدث بإثبات أن الصراع ما زال ثنائيا، وما دمت أنا ليس الفاعل فبالتأكيد الفاعل هو الطرف الثاني.

لقد أكدت معركة الواحات أن هذا الحلم البائس القديم قد شارف على النهاية، وأن ثنائية الصراع باتت على وشك الأفول بغير رجعة، وأن الجميع سيدفع الآن ثمن هذا الصراع الطويل الذي كانت خاتمته الكارثية في 2013، ومع الألم الكبير الذي سببته تلك الكارثة إلا أنها استطاعت فتح مسار هذا التيار الشعبي الذي أبت السلطة العسكرية أن يكون سياسيا، فأصبح تيارا مسلحا يحمل معه كل إخفاقات الحكم العسكري وكل الظلم الذي طال شعب مصر، وأخشى أن يكون الوقت قد فات لمحاولة النجاة من تداعياته، فربما حتى لو استسلم أحد الطرفين للآخر الآن فلن يجدي نفعا، فقد خرج السهم من القوس وذاهب لا محالة لهدفه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.