شعار قسم مدونات

بافاريا.. النسخة الألمانية من كتالونيا!

Blogs- bavaria
لا زلتُ أذكر نفسي وأنا أشكو لزميلٍ ألماني عن تشرذمنا في العالم العربي، ثم كيف رُحت أمدح له ألمانيا و"الاتحاد الأوروبي" وبركاته، فما كان منه إلا أن صدمني بحقائق "مُدهشة" عن النزاعات الانفصالية في أوروبا، التي لطالما شجّعت الحركات الانفصالية في بلادنا، بينما هي تكتم أنفاس حركاتها "الانفصالية" كما هو الحال في "بلجيكا الشمالية" وإقليم الفلاندز أو حتى شمال إيطاليا وإقليم "جنوب تيرول"، بل إن بافاريا وهي أغنى الولايات الألمانية فيها ثلّة لا بأس بها ممن يرغبون بالانفصال عن ألمانيا!
            
لم أصدق الأمر حينها، بل تركته فترة طويلة، حتى وجدتُ حكاية انفصال كتالونيا تُذكرني به من جديد حين وجدت موقع صحيفة "بيلد" -الشعبية- ينشر تقريرًا بعنوان: "ماذا سيحصل لو أرادت بافاريا الإنفصال؟"، كما وجدتُ أن موقع صحيفة "دي فيلت" يُشبه كتالونيا على أنها "بافاريا الإسبانية" ولكن الفرق أن الناس في بافاريا لا يزالون يعيشون في رخاء اقتصادي، بينما الأوضاع في كتالونيا واسبانيا في تراجع مُستمر!
         
حتى في بافاريا، الأمور ليست على ما يُرام بالنسبة للسياسي "فالفريد شارناغل" الذي لا ينتمي إلى حزب "متطرف"، بل ينتمي للحزب المسيحي الاجتماعي CSU وهو الحزب الحاكم، ومع ذلك لم يتورّع أن ينشر كتابًا بعنوان: "بافاريا تستطيع الحياة وحدها" (بالألمانية: Bayern kann es auch allein)، يؤكد فيه أن ولاية بافاريا تستحق أن تكون مُستقلة، فعدد سكانها أكبر من عدد سكان السويد ومساحتها أكبر من مساحة بلجيكا كما أن اقتصادها أفضل من اقتصاد هُنغاريا وجمهوريّة التشيك معًا. ويؤكد كذلك أن الكثير من الدول الصغيرة في أوروبا – مثل ليتلاند وسلوفاكيا- كان وجودها مُجرد حلم قبل بضعة سنوات ولكنها أصبحت اليوم حقيقة، كما أن شارناغل نفسه صرّح في مقابلة تلفزيونيّة بأنه يعزّ عليه أن تذهب أموال بلاده "بافاريا" إلى اليونان أو حتى للحكومة المركزيّة في برلين التي تبددها في مشاريع لا فائدة منها، ولكن أحد زُملائه كان أكثر صرامة منه فراح يهدد ألمانيا قائلًا: إن ألمانيا ستعلن إفلاسها دون بافاريا!
         

هناك من يرى أن بافاريا تستحق أكثر من أن تكون
هناك من يرى أن بافاريا تستحق أكثر من أن تكون "جمهوريّة"، فلهجتها وثقافتها مختلفة وتاريخها العريق جعلها من أفضل الوجهات السياحيّة
         
شارناغل وُزملائه ليسوا وحدهم، ففي شهر تموز الماضي أجري استفتاء في ولاية بافاريا وكانت النتيجة أن ثُلث البافاريين يرغبون بالإنفصال، وهو خبر عظيم بالنسبة لحزب مثل الحزب البافاري (بالألمانية:Bayernpartei ) الذي يعتبر مسألة إعلان الجمهوريّة البافاريّة مسألة وقت، فقد صرّح قيادي في الحزب لموقع "فوكوس" أن المسألة قد تحتاج لعشرة سنوات إضافيّة كي يصبح هذا الحلم حقيقة، فلا يُعقل -على حد قوله- أن تبقى بافاريا "الممول الرسمي للحكومة الاتحاديّة الألمانية"، هذا غير أن الحزب في تصاعد مُستمر، فهناك خمسة ممثلين عنه في بلديّة ميونخ وبذلك يُعتبر رابع قوّة فيها بعد الحزب اليساري، كما أن الأحداث الأخيرة في أوروبا مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي والجهود الكتالونية للانفصال عن إسبانيا أعطت هذا الحزب الكثير من الأمل، وقد صرّح أحدهم عن ذلك قائلًا: نتمنى النجاح لأصدقائنا في كاتالونيا!
               
الأطرف، أن هناك من يرى أن بافاريا تستحق أكثر من أن تكون "جمهوريّة"، فلهجتها بديعة ومُختلفة جدًا – ولا يُمكن لمن تعلّم الألمانية أن يفهمها بسهولة – تمامًا كالثقافة البافاريّة وتاريخها العريق الذي جعلها من أفضل الوجهات السياحيّة عالميًا، ففيها وحدها 100 ألف بناء معماري عريق وأكثر من 1200 متحف وعلى رأس هذه المعالم قصر نويشفانشتاين الذي بناه الملك لودفيك الثاني، الذي لا يزال ثلّة من البافاريين يتحسرون على أيامه حيث كانت بافاريا مملكة وليست مُجرد ولاية تابعة لألمانيا الاتحادية – بينما ينظر إليه آخرون باعتباره مُختلاً عقليًا-.
              
هذه الثلّة هي جُزء من "الجمعية الملكية البافاريّة الوطنية"، التي تنشر في موقعها الكثير من المواد التي تعزز الفخر بالانتماء البافاري، وتُمجد من الملك لودفيك الثاني وأيام حكمه كما يظهر استفتاء من عام 2011 شارك فيه أكثر من 1200 شخص أكد أكثرهم بأنهم لا يرون أنفسهم باعتبارهم "ألمان"، كما أكد أكثرهم بأنهم يرغبون بأن يعود الحُكم الملكي لبافاريا أو على الأقل أن تصبح جمهوريّة مستقلة!
          
كُل هذه الحقائق لا تعني بالضرورة أن تنفصل بافاريا عن ألمانيا خلال العشر سنوات القادمة، فهناك ما هو أهم من ذلك، وهي أن الإعلام الألماني الناطق بالعربية والذي يُغرقنا ليل نهار بأخبار عن انفصال السودان وكردستان.. فإنه بالكاد ينقل لنا شيئًا عن الرغبات الانفصاليّة في بافاريا، وكأن الانفصال حلالٌ علينا حرامٌ عليهم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.