شعار قسم مدونات

أميركا تهزم ترمب الرئيس

blogs - ترمب
في زيارة إلى مدرسة ابنتي، كانت الموظفة تتابع بقلق نتيجة التصويت على خطة الرعاية الصحية الجديدة التي طرحتها إدارة ترامب.. كان يوماً هاماً جداً للأميركيين لما يعنيه التصويت على هذا القرار لملايين الأميركيين الذي وجدوا في "أوباما كير" أو خطة أوباما للرعاية الصحية حلاً لهم لمشكلة عدم القدرة على دفع تكاليف شراء تأمين صحي، هذه المشكلة التي تواجه معظم الطبقة المتوسطة والأقل منها في أميركا.

يكلّف التأمين الصحي في أميركا معدّل المئتي دولار شهرياً، ويزداد أو ينقص هذا الرقم حسب الحالة الصحية للفرد، فإذا كان الفرد مصاباً بمرض يحتاج أدوية بآلاف الدولارات شهرياً فإن شركة التأمين ستطلب مبلغا أعلى حتماً من المريض ثمن شراء التأمين الصحي.. خطة أوباما للرعاية الصحية والتي بدأت تنتظم وبدأ الناس بالاستفادة منها منذ عام واحد فقط، وتقوم على شراء الدولة تأمينا صحيا للأفراد والعائلات غير القادرة على تحمل تكاليف هذه الحاجة الملحة لكل إنسان، سواء أكان مريضا أو مسنا أو شابا..

منذ بداية حملته توعّد ترمب "أوباما كير" بالإلغاء أو التعديل على أقل تقدير، وكانت خطة الرعاية الصحية الجديدة من أول إنجازات الإدارة الجديدة، إلا أنها لم تلق الشعبية حتى عند أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي له الرئيس، حيث رآها المتشددون من اليمين بأنها لا تختلف كثيراً عن "أوباما كير" وأن البلاد بحاجة إلى خطة أقل كلفة فيما يتعلّق بالتأمين الصحي، بينما انتقدها المعتدلون في الحزب الجمهوري لأنها ستحرم أربعة وعشرين مليون أميركي على الأقل من حقهم في الرعاية الصحية ليصبح هؤلاء دون تأمين صحي، في يوم التصويت على الخطة وقبل التصويت بقليل سحب "بول راين" المتحدث باسم مجلس النواب الخطة، ولم يعرضها للتصويت لأنه علم أن عددا لا بأس به من الجمهوريين سيرفضون الخطة الجديدة ولن يصوّتوا عليها..

الأيام ستبين أن عصر ترمب سيكون من أكثر العصور الرئاسية الأميركية عقماً، وأفقرها بالإنجازات والقرارات التي تغير من شكل البلاد وتميز رئيساً عن آخر.

كنت في هذه اللحظة أتابع مع موظفة المدرسة ما حدث، تنفست الموظفة الصعداء وأخبرتني أن الدولة اشترت لها تأمينها الصحي بواسطة خطة "أوباما كير" وأن حرمانها من حقها في الطبابة سيكون كارثيا لها ولعائلتها.. بغض النظر عن هزالة سياسة أوباما الخارجية إلا أنه كان رئيساً فعالاً ومؤثراً على الصعيد الداخلي، إذ إن مشكلة الطبابة حلّت في عهده ولو جزئياً، حيث حصل الملايين على حقهم في الطبابة بمعونة الدولة، وازدادت فرص العمل في مختلف الولايات الأميركية، وقلّت أعداد السود الأفارقة في السجون، وتقلصت الهوة ما بين مدارس أميركا، فلم تعد مدارس المناطق الراقية تختلف جذرياً عن مدارس مناطق الأقليات أو ما يسمى بالـ"hood"..

لو كان ترمب في بلد آخر كما لو أنه كان في جمهورية عربية مثلاً، كان سيكون رئيساً مخيفاً، أما وبمجرد أنه رئيس لأميركا فيخفف هذا مخاطره وتهوّره إلى حد كبير، فهو غير قادر على الانفراد بالسلطة وسن القوانين التعسفية دون أن يلقى ردا من كل مفاصل الدولة الأميركية ابتداء بالدستور إلى منظمات المجتمع المدني إلى الإعلام إلى حزبه نفسه الذي سيبقى يردعه كلما ذهب بعيداً في تطبيق الأفكار المتطرفة التي أوصلته للحكم..

أسابيع قليلة تفصلنا عن إتمام ترمب المائة يوم الأولى له في البيت الأبيض، وفي الأعراف الأميركية هذه الأيام المائة الأولى وما ينجزه الرئيس خلالها مهم جداً.. ترمب سيخرج بعد أيام ليخبر الشعب الأميركي عما فعله في هذه الفترة من حكمه ولن يكون في جعبة ترمب الكثير حسب المعطيات الحالية، فقرار حظر السفر الذي أصدره بشكلين مختلفين مرتين متتاليتين قوبل برفض المحاكم الفيدرالية، والجدار الذي وعد به ترمب على الحدود المكسيكية لا أخبار عنه حتى الآن، ولا أخبار عن دفع المكسيك ثمن الجدار، حربه ضد داعش الذي ادعى أنه سينجز الكثير منها في المائة يوم الأولى لم ينجز منها شيئا بعد، ومازالت الموصل والرقة في أيدي التنظيم المتطرف مع وجود مؤشرات تدل على نية الإدارة بالقيام بتحركات إضافية قبل إتمام المائة يوم في الرقة والموصل..

في عصر أوباما كان الديمقراطيون يشتكون من أن الجمهوريين في مجلس النواب ضد أوباما بشكل مبالغ فيه، ما قيده ومنعه من اتخاذ الكثير من القرارات.. اليوم في عصر ترمب، الساسة الديمقراطيون والإعلام ومنظمات المجتمع المدني وحتى كبرى الشركات الأميركية وحتى بعض أعضاء حزبه يقفون بحدة ضد ترمب، وهذا كفيل بتقييد الرئيس إلى حد كبير، ما سيمنعه من الإيفاء بكثير من وعوده، والأيام ستبين أن عصر ترمب سيكون من أكثر العصور الرئاسية الأميركية عقماً، وأفقرها بالإنجازات والقرارات التي تغير من شكل البلاد وتميز رئيساً عن آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.