شعار قسم مدونات

النسوية بكونها حق

blogs - femenist

لا شك أن هناك من هو ضد "النسوية" أو معها وهو مفهوم تأسس قديماً في أوروبا عندما نهضت حركات التحرر ومن أشهرها الصراع النسوي في بريطانيا لانتزاع حق التصويت للمرأة. وقبل أن أخوض في ثلاث مفاهيم هم الحرية والعدل والنسوية، يجب التعقيب بأن العرف الإنساني قام دوماً على وجود قوي يفرض عدله الذي هو مؤمن به على آخر ضعيف وهنا هي المشكلة في تاريخ الوجود الإنساني وخلال تعرضي لهذه المفاهيم سوف أقارن كثير بين الحركة النسوية وبين الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية والطبقة الكادحة حيث أن الأمر لا يختلف هنا.

قبل كل شيء، أي قانون أو مفهوم أخلاقي هو نتاج موافقة الإنسان عليه وليس هناك قانون أو أخلاق تعتبر طبيعية أو تاريخية فشرعيتها جاءت من موافقة الجماعة عليها وعليه أي قانون أو أخلاق تعتبر معيارية ويجب اختبارها وإعادة صياغتها مراراً وتكراراً ولا يملك أي منها الحرمة أو القدسية والإنسان وحده يتحمل المسؤولية الأخلاقية بالموافقة عليها.

الكلام سهل للغاية في مجتمعات تستبيح قتل المرأة وتهلل للقاتل بدعوى "الشرف" وهي لم ترتكب ما يخل بالآداب أو الأخلاق إلا إذا كانت ممارسة الحياة الطبيعية والاختيار الشخصي مخل بالآداب العامة.

ليس من الواجب شرح كلمة نسوية لفهم كامل لهذا المصطلح، بإمكاننا القول بأن النسوية ليست حركة فاشية أو حركة معتمدة تماماً على المساواة بين الجنسين بشكل رئيسي حيث تستفز هذه الكلمة الرجل (الجانب الأقوى) وتجعله يعامل الطرف الأخر من يطالب بالنسوية بكل تعالي واستحقار. هي حركة تُعنى بشكل رئيسي بإعطاء المرأة في المجتمع حيث تكون فيه مضطهدة، الحقوق الأساسية التي سلبت منها وأيضاً إرجاع حقها سواء من التعنيف أو الظلم التي تتعرض له من قوانين أو دستور لا يعطيها حقها. كما في بريطانيا عندما كان ضد القانون تصويت المرأة وهنا أستطيع الذهاب إلى مفهوم العدل.

حينما نقول مثلاً أن من العدل أن يحصل كل فرد على ما يستحقه من أجرة مقابل عمله تكون جملة صحيحة ولكن في عرف المجتمعات العربية يرون أن من العدل أن تأخذ الأنثى نصف الأجر، لأنها أنثى في أعمال تبذل فيها ذات جهد الرجل ومن هنا نرجع إلى مفهوم العدل كان وما زال يتشكل مفهوم العدل من قبل القوي ولكن بعد النهضة الفكرية التي اجتاحت العالم لم يعد مفهوم العدل مرتبط بالقوي بل مرتبط بتفسيره المنطقي والصحيح.

ما تحارب من أجله النسوية، هو تحقيق مفهوم العدل والمساواة في أمور الحياة تجريديا ً دون الخضوع إلى قوانين عرفية أنشأت من قبل المجتمع ومن هنا ينطلق بقية المفاهيم التي تعمل المنظمات النسوية عليها سواء بحصول المرأة على التعليم وقوانين الزواج التي حتى في مجتمعات متحضرة ما زالت رجعية بخصوص سن الزواج والتعليم وكل هذه حقوق أساسية لا تستطيع النساء حول العالم الحصول عليها.

إذن الحركة النسوية ليست للطبقة البرجوازية التي تنعم بالراحة أو هي مطالبة برفاهية ضخمة إنما هي مطالبة بحقوق رئيسية وأساسية وليست زائدة عن الحد كما يروج لها المعارضين وليس من المعقول بأن إعطاء المرأة الحق باختيار حياتها بكل حرية سوف يترتب عليه فساد، فهذا المفهوم تم الترويج له في عصور مظلمة كانت تعتقد أن بإعطاء الطبقة الكادحة لجميع حقوقها الطبيعية يترتب عليه شعور هذه الطبقة بالرفاهية ومن ثم تنقلب على الطبقة الحاكمة.

ما هو مفهوم الحرية التي تحاول النسوية فرضه؟
السبب الثاني الذي يكون فيه العربي غاضب عندما يسمع هذا المصطلح هو مفهوم الحرية فهو يعتقد بأن الحرية أمر سافر لا أخلاقي يدعو على الفساد "بيد أن الرجل هو المصلح الوحيد في المجتمع وسبب السلم في العالم وفي العصور القديمة والركيزة الرئيسية في الفضيلة والأخلاق" فهنا يرجع مفهوم الحرية هو الحق بالاختيار وليس فعل قوانين معينة تم فرضها من قبل حركة نسوية ما. إلا أن هناك مثلاً حملات نسوية تقام في بلدان غربية هدفها معين أو فرض قانون معين.

التنكيل بالنساء بأساليب العنف التي تصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي ويتحمل إثمه الأمهات الآتي يربين بناتهن على السمع والتبعية والتخلي عن حقوق أساسية إنسانية لها.

هناك حركات نسوية تدعو إلى خلع الحجاب ولكن هذا ليس من مفهوم الحرية، إذا أرادت المرأة إبقاء حجابها فمسألة الحرية تتعلق بالفرد وليس بالقوانين أو المفاهيم العامة وكل إنسان يعتبر حراً لا يملكه أحد أو يحدد خياره في الحياة أحد أو يحاسبه على فعل شخصي يتعلق به وهذا من وجهة نظر دينية وليبرالية فلا يملك أحد إجبار شخص على نوع معين من العفاف حسب مفاهيمه الخاصة ومن هنا جاءت حملات تشويه مطالبة بحقوق المرأة بدعاوي أنه سوف ينجم عنه فساد المجتمع وانحلاله.

مرة أخرى احتكر السواد الأكبر من المجتمع مفاهيم الحرية والحقوق والعدل وأسندوها إلى قوانين عرفية نشأت من المجتمع القبلي واستمرت حتى وصلت إلى المجتمع الحديث دون أن يتم هناك عملية إصلاح. وهذا حدث بسبب عدم وجود تعليم فكري جيد يختلف عن التعلم المادي (الطب والهندسة وما يختص بحرفة معينة) ومن منطلق الحرية، للمرأة الحق في أي عمل كان، تكون فيه ذات كفاءة حيث أنه مطلب للإثنين دونما تحديد ما هي الحرية أو وضع مفاهيم معينة تحدد الحرية سواء من قبل المؤيدين للنسوية والمعارضين لها.

مما لا شك فيه بأن هضم حقوق المرأة يرجع للسبب الأول الذي ذكرته، فرض القوي لمفاهيمه وهو أمر لم يحدث قبل مئة عام أو ألف عام حتى، بل كان في جميع العصور والحقب الزمنية ولكن كما أسلفت خلال الحقبة الزمنية التي نعيش فيها تم تطوير أساليب البحث عن الحقيقة والتدقيق في جميع المفاهيم، فلا تستطيع أن تقول على أمر ما، هو خير دونما التعرض لسؤال ما هو الخير، حتى قبل التعرض للسؤال الرئيسي وفما يخص دور الرجل في الحركات النسوية هو دور ليس بالكبير ممثل في كونه مناصر للحق ومحرك للقضية الحقوقية والإنسانية والدور الكبير على المرأة أن ترفض كل هضم لحقوقها وتكافح من أجل حق تحديد مصيرها فهي لا تملك إلا حياة واحدة فقط.

بالرغم من وجوب الكفاح في هذا القضية إلا أن الكلام سهل للغاية في مجتمعات تستبيح قتل المرأة وتهلل للقاتل بدعاوي "الشرف" وهي لم ترتكب ما يخل بالآداب أو الأخلاق إلا إذا كانت ممارسة الحياة الطبيعية والاختيار الشخصي مخل بالآداب العامة.

كل مجتمع عربي يحكم القفل على المرأة حتى لو لم يقتلها، فحياة تكون فيها منتهكة وتابعة ولا تملك إرادتها أو نفسها أيضاً موت وهنا يأتي دور المنظمات الحقوقية وهي تتحمل العبء في إيجاد مخرج للنساء الآتي تستعبدً تحت اسم العادات والتقاليد والدين وهضم الحقوق أو التنكيل بالنساء بأساليب العنف التي تصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي ويتحمل إثمه الأمهات الآتي يربين بناتهن على السمع والتبعية والتخلي عن حقوق أساسية إنسانية لها وعن كل شخص لا يتحرك لدفع الظلم فهذا ما يعنيه العقد الاجتماعي شاء الفرد أم رفض التدخل فهو ضمن مجتمع ينتمى إليه يتحمل عبء فساده و فضيلة نجاحه وفي اعتقادي ليس هناك مصطلح معارض للحركة النسوية .

كما أسلفت بأن هذه حقوق أساسية وليست ثانوية أو رفاهية زائدة فمن الأفضل قول أنك معارض لإعطاء حقوق إنسانية ومشجع ومؤيد للظلم والتعنيف وعدم وجود ما يحمي المرأة ويضمن لها الحقوق الإنسانية الطبيعية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.