شعار قسم مدونات

الشعب العربي وعلاقته بالحاكم

blogs شطرنج

الحاكم بمعناه العام: شخصية اعتبارية تحكم مجموعة من الناس داخل أرض تحدها حدود سياسية تسمى الدولة، هذا الحاكم تحيط به هالة عظيمة يحسده عليها الكثير، سيرته على لسان الكل تختلف من مجتمع لمجتمع هنالك من الأحاديث لا تتجاوز النفس وتكون حبيسةً خلف قضبان الشفاه إذ ليس هناك مجال للحديث وإلا مصير المتكلم سيصبح في خبر كان، بينما جمع آخر مصدر حديثهم العاطفة فيصدقها العقل ويستميت في الدفاع عن الحاكم دون أدنى تفكير، نوع آخر يفتخر بالديمقراطية التي يتمتع بها في حديثه عن الحاكم ولا يدرك أن نقده لا يقدم ولا يؤخر فقد تم استغفاله، النيل من الحاكم مباح ولكن ما إن تسول له نفسه الإقدام بخطوة فعلية عن الحاكم تجد في اليوم الثاني أن فلان مفقود ولا أحد يعلم أين مصيره، وهناك من الشعوب من حط من قدر الحاكم وجعل منه نكرة لا وجود له بالأساس، من الشعوب أيضاً من قادهم الخوف إلى القول ما ليس في الحاكم بل والتصفيق له بالرغم من ارتكابه لحماقات تنعكس سلباً على ذاك المواطن الذي يصفق بحرارة.

تعامل الشعوب العربية مع حكامهم منشأه الاندفاع العاطفي وتغييب العقل، ويرجع ذلك إلى إضفاء القداسة في شخص الحاكم، لذلك تجده إما أنه يبالغ في مدحه وكأن الحاكم معصوم من الخطأ أو يخشى ذمه مخافة عقوبته. كشعوب عربية حالتنا يرثى لها في نظرتنا للحاكم إذا ما قورنا بالشعوب الغربية، بضاعتنا الكلام وبضاعتهم تقييم أداء الحاكم، لدينا الحاكم مقدس لا يجوز المساس به، الحاكم عندهم موظف يمارس عمله. إن العلاقة المتبادلة بين المواطن الغربي وحاكمه مرت بعدة مراحل حتى استقرت على وضعها الحالي، بدأت من اتقان المواطنين لأدوارهم ثم انتهت إلى تفعيل دور المؤسسات المختلفة، منها التي تقوم بتقييم أداء الحاكم.
 

إن توجيه التركيز على السلبيات التي نملك تغييرها يساهم في تغيير الحال إلى الأفضل، حيث أن المبالغة في مدح الحاكم يعمي سلبياته عن شعبه، والخوف الشديد من نطق اسمه يجعل حياة المواطن في قلق وخوف يؤثر على انتاجيته

في وطننا العربي نجد أن المواطن العربي ترك الواجب المفروض عليه في تقييم أدائه والدور الذي يقوم به من أجل الوطن فهو متفرغ لمدح أو قدح الحاكم، ومنهم من جعل من الحاكم شمّاعة يعلق عليها تعاسته التي يعيشها، علينا كشعوب عربية أن ندرك أن من يحكمنا لن يستمر مدى الحياة وسيأتي من سيحل مكانه عاجلاً أم آجلاً، علينا الكف بالانشغال في القيل والقال عن الحاكم فمن الطرافة أن اترك منزلي الذي يحترق واذهب لنجدة بيت الجيران. 

إن توجيه التركيز على السلبيات التي نملك تغييرها يساهم في تغيير الحال إلى الأفضل، حيث أن المبالغة في مدح الحاكم يعمي سلبياته عن شعبه، والخوف الشديد من نطق اسمه يجعل حياة المواطن في قلق وخوف يؤثر على انتاجيته، أما الشعوب التي تتستر على أهوال حاكمها وتجعل منه رمزاً عظيماً فهذا يقلل من قيمتها لدى الشعوب الأخرى، بينما الشعب الذي انتقص من قيمة الحاكم فهذا يؤثر سلبا على الوضع العام لدى الوطن ككل، فنحن كصوماليين أدى التقليل من شأن الحكومة إلى خرق القوانين وعدم العمل ما هو لصالح الوطن والمجتمع، فتجد أن المواطن يقدم مصلحة قبيلته على المصلحة العامة للوطن دون أدنى اعتبار لسيادة الحكومة، لذلك وجب على المفكرين والمصلحين العمل على توسيع دائرة الانتماء لدى المواطن من ضيق القبيلة إلى سعة الوطن، فهذه أولى بجهدهم من تصيد أخطاء الحاكم والانتقاص من شأنه.

لا يكون تقييم أداء الحاكم كما رأينا في تعامل الشعوب العربية؛ المدح أو الذم أو الانتقاص من شأنه، وإنما العمل على تطوير مؤسسات تقوم على إيصال وجهات نظر المواطنين إلى الحاكم من أجل تطوير أدائه الذي سينعكس على المجتمع، ويأتي دور هذه المؤسسات بعد بدء المواطن في تقييم أدائه قبل توجيه النقد للحاكم، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (سورة الرعد 11) تشير الآية في مفهومها العام أن التغيير يبدأ من داخل النفوس عندها يغير الله حال الشعوب، ولكن! لماذا جاءت الآية بصيغة الجمع "لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ولم تأتي بصيغة المفرد؟
 

لم يكتب الخلود لأحدٍ في هذه الحياة قد تنتقل السلطة إلى أحد معارفك، فالحكم ليس حكراً على فرد معين

يرجع السبب إلى أن عملية التغيير "هنا" تعددية وليست مقيدة بالفرد؛ بمعنى عندما يغير الشخص ما بنفسه يجب أن يصاحب تطوره كل من حوله، وهذا الأمر يقصد بالفئة التي تمكنت من تنمية ذاتها عليها أن تساهم في تطوير باقي أفراد المجتمع، سواءً بالتدريب أو التدريس أو أي وسيلة أخرى عندها يكون التغيير على مستوى القوم.

لم يكتب الخلود لأحدٍ في هذه الحياة قد تنتقل السلطة إلى أحد معارفك، جارك أو أحد أصدقائك أو حتى أنت، فالحكم ليس حكراً على فرد معين، لذلك ابدأ في اصلاح وضعك حتى نصل كشعوب عربية إلى مرحلة تبادل وجهات النظر مع السلطة الحاكمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.