شعار قسم مدونات

اتركوا باب الشقة مفتوحا

blogs - شباب مصر

لا تتحدث جارتي المصرية التي يفتح باب شقتها على باب شقتي بالسياسة، يلعب طفلها مع طفلتيّ يومياً بدون توقف، ويدخلون ويخرجون بدراجاتهم الصغيرة من باب شقتها الى باب شقتي دون بروتوكولات ولا استئذانات ولا حتى إشارات مرور.

 

ونُعبّر أنا وهي عن سعادتنا بوجود مساحة أكبر للعب الآن منذ أن انتقلت هي وزوجها الى الشقة المقابلة، وبسبب صغر مساحة شققنا السكنية فقد اتفقنا على أن نتركهم يفتحون الأبواب على مصراعيها كي يسرحوا ويمرحوا كما يشاؤون (طبعا تحت نظرنا) معتبرين "أنهم إخوة وبيوتنا واحدة".

 

ونلتقي جارتنا السعودية في أوقات أخرى مع طفليها، ونطلب منها صنع قهوتها اللذيذة لنا والتي تصرّ على أنها لا تكتمل إلا مع "حلا" وتقصد به نوعاً من أنواع الحلويات، بينما تُعدّ لنا جارتنا الكُردية الشاي العراقي الثقيل بالبهار والذي بدأتُ أحبه منذ تعرفي عليها.

 

ويبادلنا جيراننا العراقيون والمصريون والليبيون الآخرون المحبة والصداقة ذاتها، دون اعتبار للسياسة والتخبط والحروب التي تجري في بلداننا في العالم العربي، فالسكن الذي نعيش فيه خصص للطلاب من جنسيات متعددة مع عائلاتهم وأطفالهم.

 

وفي مسجد المدينة ألتقي بنسوة سوريات وفلسطينيات ويمنيات ومصريات وعراقيات فنسلم على بعضنا البعض بودّ شديد ونصلي وأكتافنا مترابطة ومتلاحمة، وحين تنتهي الصلاة نسأل عن أحوال بعضنا البعض بلهجة واضحة واهتمام كبير.

 

وعلى الجانب الآخر وحينما أغوص في حاسوبي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تنام البنات، يغالبني التحسر وأنا أشهد العنصرية والمناكفات الفارغة على الفيس بوك وتويتر حول ما يجري من أزمات وبخاصة أزمة العلاقات الخليجية الحالية، فأشعر بالحزن الحقيقي على وصل إليه الحال بين أبناء الشعوب الواحدة "كما هو مفترض".

 

وأستغرب حقاً من الحوارات والردود والتعليقات والتي تصدر من ناس عاديين أحياناً ومن ناشطين معروفين وكتاب وصحفيين و"دُعاة ومُفكرين" وشخصيات عامة سقط عنها القناع كما يقال خلال الأزمات، وهم يقررون إعلان مواقفهم السياسية بدون تردد وربما بدون تفكير مُثيرين مزيداً من الفتن والعنصرية بين الناس الذين يفترض أنهم قدوة لهم.

 

هي ظاهرة بدأت تتجذر بطريقة بشعة بيننا، رغم أنها لا تبدو بعد الكم الهائل من الأزمات التي تعصف بعالمنا العربي غريبة، ولا أظنها غريبة حتى على العالم بأكمله… لأن العنصرية والنظرة التمييزيّة تجاه الفئات المختلفة والتصنيفات المتعددة لبني البشر بين بعضهم البعض موجودة في كل مكان وتظهر في الأحداث المختلفة وعندما تحدث انقسامات سياسية وخلافات بين حكومات البلدان.

 

افتحوا الأبواب في وجوه بعضكم البعض، ولا تنساقوا وراء مقاصد ناس وشخصيات وحكومات لم تفعل سوى إثارة "الفتنة" بيننا وبين أخوة تجمعنا بهم قرابة وعيش وحياة يومية مشتركة.

لكننا "نحن" نحتج عليها وعلى انتشارها في بلادنا وبين أبناء "عروبتنا" لكون طباعنا وتقاليدنا يفترض أن تكون واحدة أو قريبة جداً ومتشابهة، لغتنا مشتركة وديننا في الغالب مشترك وهو الذي يحثنا على نبذ الفتنة والعنصرية والتطرف، ولهذا يظهر استهجاننا لما يحدث بين الشباب خاصة من إساءة لبعضهم البعض كل حسب جنسيته وبلده ورئيسه وملكه وتبعيته لحدود دولته وجغرافيته التي يتبع نظرياً لها.

 

ونعلم علم اليقين أن ما تفعله الحكومات وسياساتها في بلداننا العربية لا تمثل الشعوب، ولا تهتم أصلاً لمصالح الناس ورغباتها ومتطلبات عيشها بل إنها تعمل ضدها غالباً، لكن كثيرين يصرون على إظهار ولاء "غير مبرر" ولا حتى مطلوب منهم للحكومات والرؤساء ومنظومة الحكم في بلدانهم متجاهلين روابط الإخوة الأقوى التي تربط بينهم وبين الناس الذين يشبهونهم ويعيشون ويتعاملون معهم بشكل يوميّ.

 

فيظل السؤال عالقاً في حلوقنا: لماذا لا نتعامل وفق هذه المنظومة الأخلاقية العربية التي ندّعي ونفتخر في كل محفل أننا نملكها؟ وفي الأزمات والأحداث الجسام نرميها جانباً ولا نعرف لها سبيلاً.

 

أظن أن علينا أن نعيد فتح أبواب بيوتنا على بعضها البعض بدون شكليات ورسميات، لنترك مساحة من الحرية لعواطفنا الحقيقية وشعورنا بالأخوة تجاه بعضنا البعض، فعلى ما يبدو أن مساحة مواقع التواصل الاجتماعي رغم امتدادها واتساعها واضمحلال الهوة بين الناس فيها لم تسمح بمرور هواء مشترك حقيقي بين البشر، بل فعلت العكس وسدت الأبواب بقسوة بين أبناء الشعوب الواحدة.

 

افتحوا الأبواب في وجوه بعضكم البعض، ولا تنساقوا وراء مقاصد ناس وشخصيات وحكومات لم تفعل سوى إثارة "الفتنة" بيننا وبين أخوة تجمعنا بهم قرابة وعيش وحياة يومية مشتركة.

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.