شعار قسم مدونات

عندما يلعب الساسة بعلماء الدين

blogs - شيوخ دين
إن اختلاف الدول بين بعضهم أمر طبيعي فمن الطبيعي أن تنشب حرب بين دولتين وبعد فترة من الزمن يقوم الصلح بينهما، لكن الأخطر في الأمر أن يتم تجنيد علماء الدين في هذا الصراع. إن تجنيد علماء الدين في السياسة لهو مؤشر يحمل دلالات خطيرة تؤدي إلى استبداد الساسة وضياع الشعوب فالعالم هو الممثل الشرعي للدين وهو يصدر أحكاماً عن رب العالمين وأحكامه تكون محل ثقة عند الناس، ولكن عندما يلعب الساسة بعلماء الدين فإن هؤلاء العلماء يتحولون إلى ممثلين عن ساستهم فيصدرون أحكاما ويصبغونها بالشرعية ويخدعون الشعوب بأنها صادرة عن الله.

عندما يلعب الساسة بعلماء الدين يصبح التكفير والتفسيق أمرا سياسيا وليس حكماً شرعيا صادرا باسم الشرع فيكفرون ويفسقون حسب المواقف السياسية وليس حسب الأحكام الشرعية. عندما يلعب الساسة بعلماء الدين تجد مواقف العلماء متقلبة متغيرة حسب الاتجاه السياسي، فمن كانوا يعتبرونه مرجعا للمسلمين بالأمس والقدوة التي يجب أن يحتذى بها ويتم تكريمه وتدرس كتبه في الجامعات والمعاهد والمدارس والمساجد تجده اليوم خائنا كاذبا فاسقا وربما إن تبدلت المواقف السياسية يعود كما كان مرجعا للمسلمين، وفي هذا الوقت ستهتز صورة هؤلاء العلماء في نفوس العامة فيفقدون الثقة بهم ويبحثون عن البدائل وربما تكون هذه البدائل في الغلو والتطرف وربما تكون عند الملحدين.

عندما يشعر الساسة بوجود علماء ربانيين صادقين يراقبون تصرفاتهم وأعمالهم فلن يجرؤوا على القيام بأعمال استبدادية مجنونة تهلك البلاد والعباد لأنهم يعلمون أن أفعالهم وحركاتهم محسوبة عليهم.

عندما يلعب الساسة بعلماء الدين يسقط هؤلاء العلماء بعيون الناس ولو كانوا من أكابر العلماء ولو كانوا من أكابر القراء ولو كانوا من مشاهير الدعاة والوعاظ، وكم شهدنا سقوط علماء ومفكرين كبار ودعاة ووعاظ مشهورين عندما استغلهم رجال الساسة. واستغلال الساسة لعلماء الدين ليس مقتصرا على الرؤساء والملوك بل كم شاهدنا تنظيمات وحركات تستغل علماء الدين للترويج عن برامجها ومشاريعها باسم الدين لذلك كانت هناك مطالبات واضحة للأحزاب والتيارات بفصل العمل الدعوي عن السياسي.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الوقوف عند أبواب العلماء فقال: "إياكم وأبواب السلطان فإنه قد أصبح صعبا هبوطا" أي شديدا مذلا في الدنيا والآخرة. يقول المناوي في شرح الحديث: "وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه أغلى منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك". فيض القدير 3/120. وقد حذر السلف الصالح حتى تواتر التحذير بأن شر العلماء عند أبواب الأمراء والملوك وبئس العلماء الذين يقفون عند أبواب السلاطين.

إن علماء الدين ينبغي أن يكونوا مؤثرين في الملوك والقادة لا متأثرين بهم، وعندما يشعر الساسة بوجود علماء ربانيين صادقين يراقبون تصرفاتهم وأعمالهم فلن يجرؤوا على القيام بأعمال استبدادية مجنونة تهلك البلاد والعباد لأنهم يعلمون أن أفعالهم وحركاتهم محسوبة عليهم وسيحاسبون عنها، ولكن عندما يغفل العلماء عن هذه المهمة الشريفة وهي مهمة الرقابة ويتحولون إلى لعبة بيد ملوكهم وساساتهم عندها سيستبد الملك باسم الشرع وستكون العاقبة وخيمة على الملك والعالم والشعب، ولذلك كان من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.