شعار قسم مدونات

عن الخوف الذي حُبسنا بداخله

blogs - فيلم 18 يوم
جاء فيلم 18 يوم بعد منع من العرض دام ست سنوات، جاء ليذكرنا بثورة قمنا بها، ودبابة أعطيناها الشرعية لتحمينا فانتهكتنا. وبالرغم من أن الفيلم لا يتعدى كونه فيلماً عادياً يحكي ويجمع أحداث الثورة في قصص متتالية ، إلا أن قصة أحمد حلمي الذي جسد صورة الإنسان الخائف الذي أسره خوفه وأقنعته هواجسه أنه بخير؛ حبسه خوفه بداخله حتى وصل الأمر أنه يخاف أن يزيل صوت السلطة الميتة من علي شريط الكاسيت، وحين أراد التحرر من خوفه قتله غباؤه بارتدائه زي الشرطة. 
الخوف الذي جسده حلمي ما هو إلا خوف من مواجهة الحقيقة ورؤيتها، الخوف الذي يعتنقه البعض سواء كان قاصداً أم لا، الخوف من أن تقول ما تعتقده كما تعتقده، فبالرغم من أنه كان لا يحب السلطة ولكنه كان لا يسمح لعقله أن يتحدث بينه وبين نفسه بذلك، وهذا هو مهمة الأنظمة القمعية الأولى أن تمنعك عن الجهر بتفكيرك ومن ثم تغير تفكيرك بالتدريج وتقوم بزرع حب السلطة الظالمة بداخلك وبعدها تتماهى مع الظلم والظالمين.

جاء الفيلم ليذكرنا بغبائنا السياسي وحلم كان يوماً بين يدينا فتركناه يضيع في مهب الريح، تاركاً لنا خوفٌ عشش في النفوس، الخوف من المجهول والتغيير، الخوف من التفكير حتى في إمكانية التغيير. والآن وبعد ست سنوات من الثورة الضائعة بأحداث الثالث من يوليو أين نحن؟! نحن شباب ضائع ما بين الخوف والاستبداد، نرى شبابنا تُقيد حريته ولا نستطيع فعل شيء، نري البلاد تنتهك وتُباع ومن يصرخ يُكمم فمه وتكسر يده ويلقى حبيساً.

إن الثورة كانت بمثابة نقطة الأمل لكثير من الناس كما جسدها أحمد الفيشاوي بدراميته الصامتة في مقطع شباك. شباب كثير كانوا لا يعرفون للحياة طريقا؛ جاءت الثورة لتغيرهم وتنزع عنهم غبار اليأس وتقول لهم هناك أمل.
ولكن لهؤلاء الخائفين الماشيين بداخل الحيط لا جانبه ماذا جلب لكم الخوف؟ لم يجلب لكم سوى الدمار ومزيدا من الانحطاط، كنتم خائفين على لقمة العيش فالآن وبعد ست سنوات من الثورة أصبحت لقمة العيش مهددة، أصبح الأخ الأكبر- كما سماه جورج أورويل في روايته العظيمة 1984- يسيطر علينا جميعاً بقبضته الأمنية، وأطلق علينا زبانيته من شرطة الفكر حتى تُخيفنا وتسلب حقنا في التفكير والحلم ومحاولة التغيير. 
إن الصراع القائم الآن إنما هو صراع بين جيلين أحدها أذاق الحرية فاعتنقها والآخر استُعبد فرضيَا وأصبح لا يتخذ غير العبودية طريقا. فجُسدت العبودية في مقطع (إن جالك لطوفان) الذي يصور الثورة مصلحة لبعض الناس وأن الشيخ الهرم سيؤيد السلطة ويرضى بالعبودية وحين تأتي مصلحته سيبيعها وهكذا دواليك، فتضيع الأحلام ويستبد الظالم بأيدي هؤلاء الذين لا هم لهم سوى لقمة العيش. ويجسد الشباب الذين اعتنقوا الحرية أشرف سبيرتوا الذي خاف أولاً ثم لم يستطيع سوى أن ينحي خوفه ويساعد الناس وأن يهتف عالياً بعد سقوط مبارك.

وهنا يطرأ في الذهن سؤال من ماذا يخاف هؤلاء؟! من عدم إيجاد اللقمة أم من خراب البلد أم من الظلم أم التعذيب.. كل هذا حادث ولكن ما في الأمر أنه حتى الآن لم يأتي دورك فقط. أم أنهم يحبون السلطة فعلياً وأن كلمات مثل الحرية والعدالة ليست في قواميسهم من الأساس. أم أنهم صُدر لهم فكرة المؤامرة حتى عششت في العقول، وأن أي تغيير إنما هو بأيدي أعدائنا، وأن الحرية انحلال وأن السلطة دائماً علي حق، وأننا لا نعرف مصلحتنا، أساطير تُصدر من جيل لجيل أصبحوا ممسوخين من كثرة الخوف والتفكير بعدم منطقية، خاضعين لسلطان السلطة غير عابئين بشيء. أم أننا وصلنا لهنا بسبب غباؤنا السياسي، فلا العلمانيين جعلوها مدنية ولا الإسلاميين جعلوها خلافة كلٌ منهم كان يخاف من الآخر، تسيطر الأوهام علي الأدمغة، لا نعرف كيف نجلس علي طرابيزة المفاوضات ونتحاور، لا نعرف ماذا تعني السياسة ولا كيفية ممارستها، إنما عندما أردنا أن نزيل خوفنا فتعاملنا بغباء كما تعامل حلمي مع خوفه بارتدائه بدلة الشرطة وسط الثورة.

نحن نحلم بالثورة كما حلم بها من قبلنا، نحلم بالعدل والحرية، نحلم برفع الظلم ومساواة الناس، نحلم بأيام كأيام الميدان، نحلم بغناء الناس وفرحهم، نحن نحلم بلحظة كلحظة رحيل مبارك رغم سذاجتها.

إن الثورة كانت بمثابة نقطة الأمل لكثير من الناس كما جسدها أحمد الفيشاوي بدراميته الصامتة في مقطع شباك. شباب كثير كانوا لا يعرفون للحياة طريقا؛ جاءت الثورة لتغيرهم وتنزع عنهم غبار اليأس وتقول لهم هناك أمل، هناك ما يسمى حرية، هناك إمكانية أن تتعاملوا بآدامية، هناك مستقبل ونور كان محجوب عنك بأيدي القمع والآن زال هكذا اعتقدنا وسيرنا مؤمنين بالثورة. وأيضاً حكاية ناهد السباعي التي جسدت فيها فتاة فقيرة تلتقي عيناها بالشاب الثوري في المظاهرات كإسقاط يجسد مصر بالفتاة الفقيرة وأن الشاب هو الثورة وكأنها تطلب منه أن ينتشلها من براثم الخوف والمرض والفقر.

كل هذا كان بمثابة ضوء وسط الظلام ولكن السجان أبى أن يتم الحرية علي الشعب فقيده وقتله مثلما قُتل عمرو واكد في مقطع 1919، وما زال يُقتل الحلم ويُقمع؛ ولكن ومع مرور تلك الأحداث فإنما نحن نحلم بالثورة كما حلم بها من قبلنا، نحلم بالعدل والحرية، نحلم برفع الظلم ومساواة الناس، نحلم بأيام كأيام الميدان، نحلم بغناء الناس وفرحهم، نحن نحلم بلحظة كلحظة رحيل مبارك رغم سذاجتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.