شعار قسم مدونات

من مصر إلى ميانمار.. عندما يفقد الإنسان حيوانيته!

blogs رجل يبكي إبنه

لا أعتقد أن الكثيرين يدركون أو يتفقون على أن التعبير السائد المستهلك "عندما يفقد الإنسان إنسانيته" هو تعبير خال تماما من الصحة في سياق اللحظة المعاصرة. حقا فعالمنا المعاصر، وخاصه في سياقه الشرق أوسطي يواجه إشكالية أخلاقية فارقة. أنت إنسان وفخور بإنسانيتك، إذن كن شجاعا وواجه نفسك وتأمل معي ماذا يفعل الإنسان في أخيه الإنسان؟ فكرة أن الإنسانية تعنى الرحمة والرأفة والتعاطف والحب المتدفق والتسامح وقبول الأخر والانتفاض للحق ورفض التعذيب والدفاع المستميت عن الضعيف، تتداعى بصورة متسارعة، وعشرات المشاهد حولنا تؤكد هذا الطرح.

في اليمن السعيد
تقوم قوات خادم الحرمين الشريفين الإنسان وقوات دولة وزراء السعادة وشرطة اللامبورجيني، بالسحق الجوي والبري والبحري لمجموعة من الهياكل البشرية الإنسانية يعاني نصفهم من الكوليرا والنصف الأخر أوشك على أن ينسى معنى دفء المسكن العائلي ومذاق الطعام والماء النظيف. بينما صفحات الجرائد وقنوات البث الفضائي تتحدث عن النجاح المتتالي لحملة إعادة الأمل. وتنتشر صور قوافل الدواء والإغاثة المتدفقة من الزعيم الإنسان لإنقاذ من تبقى من مرضى الكوليرا الأعزاء. كما تحضر الوفود لافتتاح السجون الجديدة المجهزة بأفران الحرق الإنساني الحديثة.

يقوم الإنسان البوذي المتسامح سليل مدرسة السلام الداخلي بضرب إنسان أو إنسانة بالعصي الغليظة وقضبان حديدية مشبعة بالدماء. ترتعد الضحية ثم تسقط أرضا تصرخ من الألم والدماء المتدفقة من الجسد الهش
يقوم الإنسان البوذي المتسامح سليل مدرسة السلام الداخلي بضرب إنسان أو إنسانة بالعصي الغليظة وقضبان حديدية مشبعة بالدماء. ترتعد الضحية ثم تسقط أرضا تصرخ من الألم والدماء المتدفقة من الجسد الهش

في سوريا قلب العروبة

يُسقط الزعيم الإنسان مئات البراميل المحملة بأطنان المتفجرات على كل إنسان رجل أو سيدة أو شيخ أو طفل تجرآ وقال له ارحل فلا أنت أسدا ولا أبوك كان. ثم تزداد نشوة الزعيم الإنسان فينتقل إلى مرحلة القنابل الفوسفورية، وهي قنابل حارقة فتاكة محرمة دوليا، بعد أن تيقن أن تعرض جسم الإنسان للفسفور الأبيض يؤدي إلى احتراق الجلد واللحم ولا يتبقى إلا العظم. 

في مصر مولد الحضارة الإنسانية

يفوض الإنسان الرئيس الإنسان ليحارب إرهابا محتملا، ويستدعي الرئيس المفتي الإنسان. وعندما يخرج الأخير يقول اقتلوهم فرائحتهم نتنة. فتندفع مجموعة إنسانية نحو مجموعة إنسانية، بعضهم كان يصلي، تسحقهم وتقتلهم وتمزق أطرافهم وتفجر عيونهم، ثم تتذكر نصائح المفتي فتتخلص من الروائح ومن كل شيء باحتفالية كيروسينية مطولة يزينها أعمدة الدخان الأسود الكثيف. وأخيرا تتهادى الجرافات لتحمل بقايا جثامين من التهمتهم النيران لتنظيف المكان.

 

وعندما تصدر التقارير التي تعدد أساليب التعذيب فتتعرف فيها على مالا يخطر على بشر ويصدمك أقوال ضحايا التعذيب وهم يتحدثون عن لا نهائية الإبداع في إهانة الإنسان. هل يعقل أن الصعق بالكهرباء ونزع الأظافر والضرب المتتالي ومنع النوم والإغراق في الماء، هي أساليب يتمناها السجين الإنسان خوفا من أن يغتصبه أخيه الإنسان؟

في ليبيا الخضراء
يوكل الجنرال الإنسان العائد من الظلام إلى صديقه النقيب الأكثر إنسانية مهمة قتل أي إنسان أو جماعة إنسانية تناضل رافضة لحكم الجنرال. يقتلهم النقيب ثم تنفرج أساريره مبتسما منتشيا وهو يلتقط مقاطع الفيديو والسلفي مع بقايا الأجساد وأشلاء الأدمغة وكتل الدم حديث التجلط. وعندما ينتفض العالم ويتهمه بأنه مجرم حرب، يقول هو وجنراله الإنسان، في الحروب القتل هو الحل حتى للأسرى.

ثم في ميانمار البوذية المسالمة

عندما ترى وتتأمل سلوك الإنسان مع أخيه الإنسان، وسلوك الحيوان مع أخيه الحيوان، وتوقظ ما بقي من أشلاء ضميرك الإنساني فلا تندهش إذا وجدت نفسك تصرخ: متى يستعيد الإنسان حيوانيته؟

يقوم الإنسان البوذي المتسامح سليل مدرسة السلام الداخلي بضرب إنسان أو إنسانة بالعصي الغليظة وقضبان حديدية مشبعة بالدماء. ترتعد الضحية ثم تسقط أرضا تصرخ من الألم والدماء المتدفقة من الجسد الهش. يقترب البوذي الإنسان ويسقطها داخل إطار كاوتشوكي ويرش عليها الكيروسين ثم يشعل النار فيها ويتأمل بنشوة احتراق الإنسان بينما مجموعة إنسانية بوذية ميانمارية محيطة تبتسم وتصرخ فرحا وترقص من فرط السعادة. وعلى بعد أمتار، تلمح الإنسان البوذي الأخر يرفع سكينه العملاق مقتربا من إنسان يبكي دموعا ودما، يمزق الذراع الأول ثم الثاني ثم الأقدام ثم يتأمل بتلذذ خروج أحشاء إنسان كل ذنب الأخير أنهم سمعوه وهو يقول بِسْم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.

هل رأيت أبدا حيوانا يؤذي أخيه الحيوان بلا سبب؟ هل رأيت حيوانا يقتل ليتمتع بالقتل؟ هل رأيت كيف يعامل الحيوان أخيه الحيوان؟ هل رأيت حيوانا يعشق الإبادة؟ هل رأيت حيوانا لا يتمتع إلا بحصار أخيه الحيوان وتجويعه وتعذيبه؟ هل رأيت حيوانا يغتصب حيوان؟ هل رأيت أي حيوان يبني مقرات معتمدة ومجهزة للتعذيب ومزودة بالصواعق الكهربائية وأفران الحرق المتسعة؟

عندما ترى كل هذه المشاهد، وتتأمل سلوك الإنسان مع أخيه الإنسان، وسلوك الحيوان مع أخيه الحيوان، وتوقظ ما بقي من أشلاء ضميرك الإنساني فلا تندهش إذا وجدت نفسك تصرخ: متى يستعيد الإنسان حيوانيته؟ كم تبقى من رؤسائنا وأمرائنا وملوكنا وكتابنا وعلمائنا وقادة جيوشنا من يجرؤ على أن يردد مقولة الأديب المبدع نيكولاي استروفسكي: كانت حياتي وكل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم ألا وهو النضال في سبيل الإنسانية. حقا نحن البشر أكبر مؤامرة على أنفسنا وعلى الإنسانية وأحيانا على كل إنسان وكل حيوان أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.