شعار قسم مدونات

ماذا نسميكِ؟ عندما تخذلنا الأسماء

blogs مولود

سيكون للاسم وقع قريب، اسمكِ الذي ستحملينه وسنحمله لكِ في سنوات عمرك القادمة، كل أحلامك ومشاعرك وأحداث حياتك سترتبط بهذا الاسم، فماذا نسميك؟ استُهلكت الأسماء كلها، ولم يبق هناك ما يمكن أن نقتنع به ونربط حياتك فيه سوى بضعة مقترحات لم يرق لنا منها شيء، وكلمات تُعاد وتتكررُ على كل الألسنة ولم نقف عند أي منها، فماذا نسميكِ؟ كان الأمر أسهل في البداية مع أختيكِ وكنا أكثر رواقاً ولدينا متسع من الوقت لنفكر، لكننا اليوم اختلفنا على كل الأسماء المقترحة أنا وأبيك، لكن علينا حينما تحلين ضيفة الى العالم الخارجي أن نتفق.

 

ليس الأمر واقفاً على الاسم، فالظروف الأخرى تتوقدُ كلما جلسنا لنتكلم.. هذا إن جلسنا من الأصل، فغالباً ما ننسى أن نبحث ونتفاكر فيه، فالطفل الثالث يأتي مع كم هائل من الاعتياد وكمية لا حصر لها من الروتين الحياتي، يضاف إليه التفاصيل اليومية لحياتنا مع طفلتين تأخذان كل الوقت، كلّه حرفياً.. فما من متسع للتفكير ملياً باسم يليق بك وبحضورك القريب.. فهل ستعذرينا يا صغيرتي ذات يوم؟

 

ما أصعب ايجاد اسم لإنسان جديد من روح ودم لا يبتغي من الحياة في سنواته الأولى سوى الأوكسجين والغذاء والحبّ.. والاسم جزء من الروح فهل سننصف روحك الجديدة؟ وهل سنستطيع ألا نظلمك بهذا الاسم؟ وهل يهم كثيراً أن نجد لك اسماً مميزاً تعيشين فيه حياتك.. أم أنه ليس علينا أن نحمّل الأمر تلك الجدية المفرطة؟

 

ربما تعبر أسماؤنا عنا حقاً وربما العكس تماماً، وقد تأخذ من شغاف قلوبنا فإما أن نًحبّها ونحبّ أنفسنا.. أو تُسبب لنا اعتياداً صامتاً يشبه طبيعة حياتنا اليومية

أمُرّ مروراً ساخراً على الأسماء المقترحة في المنتديات والصفحات العربية على الإنترنت، لأصدم مجدداً من التكرار والنسخ واللصق والإعادة في شرح المعاني التي لا تفيد ولا تسمن من جوع.. أترك المنتديات والصفحات المبعثرة والممتلئة بأكوام من الصور والحروف والزركشات الملوِّثة للنظر وأحاول البحث في بعض الآيات القرآنية والنصوص العربية فيعود التكرار بأسماء يلتقطها الجميع على نفس المنوال.

 

أصمت دقيقة على حال لغتنا العربية كلما ذكرت اسماً عربياً واضح المعنى ليهتز بدن السامع "حرام عليكِ.. كيف تطلقين اسماً كبيراً مكلكعاً هكذا على ابنتكِ؟!" طبعا فالأسماء القديمة صارت ثقيلة على قلب الناس، والأسماء الجديدة الحديثة التي لا يُقنع معناها أياً كان لا تدخل ضمن اهتمامنا ولا نفكر فيها أصلاً.. فماذا حقا نسميكِ؟ أترك الأمر مجدداً الى حين "سيأتي اسمها معها.. فلا تقلقي"، أتشاغل بتلك العبارة التي أسمعها من الجميع بلا استثناء وأحاول اقناع نفسي بها، لكن الحين اقترب.

 

في الغرب يطلقون الأسماء كيفما اتفق، وكثيرون لا يهتمون بمعنى الكلمة فالمهم أن يكون وقعها جميلاً وموسيقياً، وقد صارت موضة بين مشاهير الغرب إطلاق أسماء الفاكهة والجهات وأشياء أخرى غريبة على أطفالهم الجدد، ربما لكسب مزيد من الانتشار والشهرة لا أحد يدري، أما عندنا فالأمر يحتاج لكثير من التفكير والتمحيص. وحينما أستذكر أسماء بعض المؤثرين والفاعلين في عالمنا العربي لعلني ألتقط منها شيئاً أو تلهمني باسم معين، أجد نفسي وقد سرحتُ في أحوالنا السياسية والاقتصادية والتي ما أبقت ولا خلت حتى مع هؤلاء.

 

ربما تعبر أسماؤنا عنا حقاً وربما العكس تماماً، وقد تأخذ من شغاف قلوبنا فإما أن نًحبّها ونحبّ أنفسنا.. أو تُسبب لنا اعتياداً صامتاً يشبه طبيعة حياتنا اليومية، وقد تكون أيضاً سبباً خاصاً لتميّزنا وثقتنا بالنفس، بعض الأشخاص يحملون أسماءاً تشبهُهم وتثير دوماً إحساساً متكاملاً مع شخصيتهم وأسلوبهم في الحياة ومع الآخرين من حولهم، ليس الأمر فلسفياً بحسب لكنه فِعلٌ حقيقي، فكثيراً ما نعمم على اسم معين بأن "كل من يحمله شخص سيء" أو أن "كل الذين أعرفهم بهذا الاسم قلوبهم طيبة"، وعليه فحينما نود أن نمنح لطفل جديد اسماً فنحن نفكر آلاف المرات في كيف سيتعامل مع اسمه… وكيف سيتعامل الآخرون معه بالتأكيد..

 

وفي خضم التفكير بالاسم تحضرني أغنية فيروز "أسامينا… شو تعبوا أهالينا تا لقوها، شو افتكروا فينا" وأتساءل حقاً إن كان ما تتابع فيه أغنيتها "الأسامي كلام، شو همّ الكلام… عينينا هِنّه أسامينا" صحيحاً بالضرورة أم لا، لأسرح طويلاً في أمور أعمق من مجرد اسم سنلصقه بإنسان جديد في هذا العالم المكرّر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.