شعار قسم مدونات

وألقت بنفسها إلى التهلكة!

blogs-Marriage
حياتها مفعمة بالتفاصيل، منها ما قد يصيبك بالذهول والدهشة، فإن صاحبتها ليست كما عهدتها من قبل، فكلما رأيتها، تذكرت ضحكتها التي لا تفارق وجنتيها، وحبها للحياة بشغف، وطموحها اللامحدود، وعطاءها الذي تمنحه للآخرين بقوة.
 

هي في الثلاثين من عمرها، وهي فتاة متوسطة الجمال، إلا أنها تمتلك ما يكفيها من الصفات التي تجعلها رائعة بمعنى الكلمة، حيث تتميز بجمال الروح، لكن ما تملكه من العلم والعمل لم يكن لها كفيلاً لتكن قوية وقادرة على إخماد لسان المجتمع ونظرته للفتاة غير المتزوجة في سن الثلاثين.
 

لم يكن لديها خيارات أخرى أو بدائل، فلقد عاشت في دائرة مغلقة من الحيرة والقلق، ولم يكن بوسعها أن تختار ما بين الطلاق والعيش مع أخيها وزوجته.

فهي كحال كثير من الفتيات اللواتي يعتقدن أن الزواج هو القوة والدرع الواقي للعيش ضمن حدود المجتمع الشرقي، فمهما كانت الظروف ومهما كلفها الأمر فلابد من الزواج، ولا يهم لما ستقابله في حياتها الزوجية من عقبات، المهم لديها أن تصبح ضمن قائمة المتزوجات لإسقاط نظرة المجتمع المتدنية لمن فاتها القطار.
 

فلقد تزوجت برجل متزوج ولديه سبعة أبناء، ذو دخل متوسط، بعد حالة يأس مرت بها لكي تثبت لنفسها وللمجتمع انها أنثى لا يعيبها شيء، وقادرة على الزواج والإنجاب، وبعدما تزوجته عاشت معه بغرفة صغيرةٍ في داخل المنزل الذي تقطن به زوجته الأولى وأبنائه، لكنها سرعان ما واجهت مع زوجته الأولى مشاكل كبيرة كالعنف والإهانة وأقسى انواع العذاب، وما كان عليه إلا أن يقف متفرجا.
 

استمرت حياتها ما بين صراعات وانكسارات، حيث آثرت عليها بالكامل، وخسرت عملها التي كانت ترتكز عليه، وأصبحت تفتقر لكثير من متاع الدنيا من المأكل والملبس والمشرب، ولم تجد أحد يناصرها، فكلما كانت تشتكي، تقع على مسمعها عبارة "إن ذلك كان من اختيارك، فعليك أن تتحملي".

لم يكن لديها خيارات أخرى أو بدائل، فلقد عاشت في دائرة مغلقة من الحيرة والقلق، ولم يكن بوسعها أن تختار ما بين الطلاق والعيش مع أخيها وزوجته والذي يندرج ضمن قائمة العاطلين عن العمل، أو أن تستمر في حياتها الزوجية الصعبة.

استمرت حياتها على هذا الحال خمس سنوات، حياة صعبة ومريرة، لاقت فيها جميع أنواع العذاب والحرمان والفقر والفقدان والإهمال والمرض والوحدة والتشتت العائلي، وكانت أشبه بخادمة لأبناء زوجها إرضاءً للزوجة الأولى.
 

وكانت حصيلة هذه الحياة المعقدة طفلان صغيران؛ لم تتوقف حياتها إلى هذا الحد، فكانت ذات مرة قدمت طلباً في إحدى المؤسسات الخيرية للحصول على منزل صغير لذوي الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبعد فترة طويلة، شاء القدر أن تحصل على منزل صغير، ولكن سرعان ما طلب زوجها منها أن تتنازل عن ملكية البيت له، ووافقت دون أدنى شك، ولكن هذه المرة كان وقع الظلم عليها شديداً، حيث كانت في زيارة لأخيها، وأثناء العودة لمنزلها تفاجأت بوجود زوجة ثالثة في المنزل الجديد، وانتهت قصتها بالطلاق.
 

إنه مجتمع تحكمه عادات وتقاليد وأعراف بعيدة كل البعد عن الدين والشريعة والمبادئ، مجتمع يفكر بالزواج المبكر، ويضطهد المطلقات، ويكره "العنوسة".

لا أزال أختزن في ذاكرتي مقولة لأحد الفلاسفة عندما قال "أن يفوتك قطار الزواج خير من أن يدهسك"، هذه المقولة تلخص ما عايشته هذه الفتاة في تجربتها الزوجية.
 

ما يثير الدهشة والاستغراب.. هل التأخر في الزواج وتعدي سن الثلاثين يدفع بفتاة حالمة، مثقفة، طموحة، إلى مثل هذه التهلكة؟!
 

أي منظومة ينتمي اليها هذا المجتمع؟! لا شك أنها منظومة غريبة ومعقدة نوعاً ما، إنه مجتمع تحكمه عادات وتقاليد وأعراف بعيدة كل البعد عن الدين والشريعة والمبادئ، مجتمع يفكر بالزواج المبكر، ويضطهد المطلقات، ويكره "العنوسة"، ذلك المصطلح الذى اصطنعه ليصبح بمثابة كابوس تهابه جميع الفتيات ويصبحن ذو أيدولوجية محدودة، وسيكولوجية تنحصر في التفكير حول كيفية التخلص من شبح العنوسة دون التفكير في النتائج التي ستقع على سوء الاختيار فيما بعد.
 

لا شكَّ أننا نحتاج إلى جهد كبير كي ننشئ جيلاً قويًّا، واثقاً، يعتمد على نفسه، ويبني نفسه، جيلاً يتم برمجته على معايير وقيم تختلف بعض الشيء عن تلك السائدة في مجتمعنا، لا بد من تشكيل منظومة وتركيبة جديدة لا تعرف للخوف معنى، قادرة على مواجهة الحياة في ظل عدم الزواج والارتباط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.