شعار قسم مدونات

هل ساعدت أميركا الشعوب يوماً؟

blogs-أمريكا

يطغى انتمائي للثورة السورية على كل انتماء آخر، فهويتي كانت ومنذ اندلاع الثورة السورية في عام ألفين وأحد عشر هي معارضتي لنظام الأسد ووقوفي مع أي جهة تسعى لإسقاطه.. أشعر بأنني مسؤولة عن إخبار كل من أقابلهم عن حقيقة ما جرى ويجري في وطني سوريا.
 

في أميركا تجد من الناس تعاطفاً مع معاناة السوريين أمام الإجرام اليومي الذي يتعرضون له، لكن في ولايتي الديموقراطية "ميريلاند" يختلف الأمر فمعظم سكان هذه الولاية يفضلون الابتعاد عن هذه المنطقة ويوافقون باراك أوباما في رأيه حول هذه المسألة خاصة بعد حرب العراق الفاشلة التي يشعر الأميركيون اليساريون منهم خاصة بالعار من الجرائم التي ارتكبت خلالها. حديث طويل دار بيني وبين أستاذي في الجامعة حول سوريا..
 

الدول التي تريد الفوز في عالمنا المتوحش بإمكانها أن تعمل لتلتقي مصالحها مع مصالح الإمبراطورية الأميركية وإلا فإن عداء الدولة الأكثر نفوذاً في العالم سيكلف المعادين الكثير

أستاذي من أصول أفريقية، عاش في أحياء السود الفقيرة ولعق مرارة العيش في أميركا كأسود منذ ستينات القرن الماضي، حين كان نظام الفصل العنصري قد انتهى لتوه في أميركا وبقيت مخلفاته من مشاعر الكراهية والازدراء للسود الأميركيين الأمر الذي يدفع ثمنه السود حتى اليوم، هو يرى أن أميركا التي مازال يعاني فيها السود وهم مواطنيها من البطالة وسوء التعليم وسوء الخدمات لن تساعد بكل تأكيد أناس في غير قارات لا مصلحة للنظام الأميركي معهم..
 

قلت له أنني أرى أن غياب الدور الأميركي الذي حصل في عهد أوباما ترك المجال لشياطين أكثر إجراماً وأقل ديموقراطية للعبث في العالم، فرد أستاذي أن أميركا لم تتدخل في أي بلد وعاد هذا التدخل بالنفع على سكانه، والأمثلة كثيرة فمن الحرب على العراق التي فشلت وراح فيها أكثر من مليون بين قتلى وجرحى إلى حرب فيتنام التي راح ضحيتها ثلاثة ملايين قتيل، أميركا كذلك من رمى القنبلتين الذريتين على اليابان ودعم الطرفين العراقي والإيراني في الحرب بين صدام وإيران كل هذا جزء بسيط من حروب كثيرة خاضتها أميركا ولم تكن نتيجتها سوى القتل والموت على الطرفين دون أي مكتسبات.
 

أميركا بحسب أستاذي لم تخض أي حرب نافعة ولم تساعد حتى الدول القريبة منها كهاييتي التي تقع على الجانب الآخر من شواطئها وتتعرض للأعاصير والزلازل بشكل مستمر رغم ذلك لم تفكر أميركا بإعمارها وتطويرها فكيف لي أن أتأمل بأنها ستعمر سوريا وتخلصها من القتل؟ وجهة نظري واضحة فأنا لا أعتقد بأن أميركا دولة خيرية تقدم الخيرات للشعوب عبر الحروب عليها بل على العكس.
 

أفهم سبب حقد شعوب كثيرة تضررت من مغامرات الرؤساء الأميركيين في العالم، لكن مع هذا كله في حالة سوريا بإمكان أميركا هزيمة آلة القتل الروسية الشعواء التي لا أهداف لها إلا تحقيق انتصارات سياسية لبوتين ودولته الهاربة من مشاكلها إلى المغامرات في الشرق الأوسط، كل هذا كان بإمكانه أن يتم بقليل من الضغط وبأقل الخسائر من قبل الطرفين الأميركي والسوري.
 

ورغم حروب أميركا في العالم لا يسعني النظر لأميركا بسوداوية مطلقة فأميركا هي البلاد التي دعمت كوريا الجنوبية وأعمرتها لتصبح في مقدمة الدول اقتصادياً وهي التي وقفت إلى جانب الكويت ضد صدام حسين حين اقتحم الكويت دون أدنى وجه حق وحرق آبار نفطها وبدأ بالتنكيل بأبنائها، وهي التي استجابت لرغبة الشعب الليبي بإسقاط قوات معمر القذافي بغض النظر عن نتيجة هذا التدخل إلا أنه كان تلبية لرغبة الشعب الليبي.
 

إذا غاب العرب عن عون السوريين وغابت أميركا عن وقف مجازر روسيا بحقهم، على ماذا نعقد الأمل؟ وهل تقدر فصائل المقاومة السورية على تحرير سوريا لوحدها؟

أميركا ليست مؤسسة خيرية بل إمبراطورية كبيرة يهمها قبل كل شيء مصالحها، ورأيي هو أن الدول أو الجماعات التي تريد الفوز في عالمنا المتوحش بإمكانها أن تعمل لتلتقي مصالحها مع مصالح الإمبراطورية الأميركية وإلا فإن عداء الدولة الأكثر نفوذاً في العالم سيكلف المعادين الكثير خاصة في ظل سوء نوعية القوى الموازية لأميركا في العالم كروسيا والصين وهم ديكتاتوريات تريد تصدير الموت والجهل لشعوبنا.
 

أستاذي يعتقد بأن أميركا مجرمة ومسؤولة عن جرائم حرب حول العالم ومن حق بشار الأسد أن يسألها عن جرائمها إذا قررت محاسبته على جرائمه، الحل بنظر شريحة كبرى من المجتمع الأميركي هو في ترك سوريا لبوتين وميليشيات إيران حتى لو نكلوا بأهلها ورسموا سوريا جديدة على هوى إيران..
 

الهم الوحيد لهؤلاء هو عدم انغماس أميركا بحرب جديدة تضيف إلى رصيد أميركا المزيد من الجرائم، لكن يبقى السؤال دون إجابة: إذا غاب العرب عن عون السوريين وغابت أميركا عن وقف مجازر روسيا بحقهم، على ماذا نعقد الأمل؟ وهل تقدر فصائل المقاومة السورية على تحرير سوريا لوحدها مع استمرار توافد المزيد من ميليشيات إيران وسلاح روسيا إلى سوريا؟ أم نحن حتماً بحاجة للمزيد من العمل السياسي لإقناع دول العالم النافذة بدعم قضيتنا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.