شعار قسم مدونات

مذكرات سروري.. في رثاء الشيخ محمد سرور

الشيخ محمد سرور

منذ بداية نشاطي الدعوي عام 2000 في أحد مساجد مدينة المحلة الكبرى في مصر وأنا أسمع توصيفي من هواة التصنيف بأني "سروري". وكنت أظن ذلك بسبب قراءتي للشيخ المصري رفاعي سرور رحمه الله، وثنائي عليه في بعض المجالس.

ولم أهتم وقتها كثيرا بالتنقيب لمعرفة حقيقة هذا التصنيف، حتى تم اعتقالي في 2008 وسألوني بأمن الدولة عن علاقتي بالشيخ محمد سرور زين العابدين، فقلت: لا أعرفه.
قالوا: كيف وهو زعيم التيار السروري الذي تنتمي إليه؟!

لكنهم لم يقفوا كثيرا مع هذا الأمر، لأن الأصل أن كل من يتم التحقيق معه عندهم يكذب عليهم، ولا يركزون إلا على المعلومات المهمة والتي يتم تعذيب المعتقل بكل الوسائل ليقر بها، ولم تكن هذه المعلومة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم.

سرور: كان شيوخنا وأساتذتنا يقولون لنا في المجالس الخاصة كلاما، ثم يقولون عكسه على الملأ

وبعدما تم إيداعي سجن أبو زعبل شديد الحراسة، كنت أسأل رفاقي المعتقلين عن هذا الشيخ الذي سئلتُ عنه ونُسبتُ إليه وأنا لا أعرفه، فلم أسمع عنه إلا خيرا وسمعت عن بعض آرائه التي وجدت نفسي أعتنقها وأنشرها وسط من يستمعون لي ويحضرون خطبي ودروسي.

خرجت من السجن أواخر 2009 وكلي شغف بالتعرف أكثر على الشيخ الفاضل وآرائه وأفكاره، لكن لم يكن عندي العزيمة الكافية للبحث عن كتبه، بيد أني قد طالعت بعض مقالاته وكتيباته الصغيرة التي أكدت لي التقارب الفكري بين السلفية التي أعرفها وبين ما يؤصله الشيخ من معانٍ وأفكار، حتى دخلت أحداث الثورة المصرية وانشغلت جدا بها، وقصرت كثيرا في القراءة والمطالعة.

وحدث انقلاب 2013 وكانت مجزرة الفض والملاحقات الأمنية التي أجبرتني على الخروج من مصر والذهاب إلى تركيا. وكنت أثناء ذلك أمزح مع كل من يسألني عن معنى "السرورية" فأقول: فئة من المسلمين تحرص على إدخال السرور في قلوب الناس، حيث لم يكن فيما قرأته للشيخ آنذاك -وهو قليل- ما يدل على وجود جماعة يخاطبها الشيخ بكتاباته، بل وجدته ينبذ فكرة الجماعات التي تؤول في النهاية لتحزب وتعصب خاص بها، يضعف الولاء بينهم وبين عموم المسلمين.

وفوجئت في عام 2015 بأحد المشايخ الأفاضل هنا باسطنبول يخبرني بأننا على موعد مع الشيخ محمد سرور، فقلت في نفسي "ياااه، أخيرا سأقابله؟" بعد خمسة عشر عاما كاملة وأنا أُنسَبُ إليه، وقد تكون هذه النسبة أحد أسباب سجني واعتقالي، المهم أنني سُرِرْتُ جدا بهذا الخبر.

وكان اللقاء في بيته، فوجدته كريما جدا لا يتوقف عن الحركة – رغم سِنِّه ومرضه – ترحيبا بالضيوف وإكراما لهم. وكان يسمع منا أكثر ما يحدثنا وإذا تحدث أحدنا لا يقاطعه، وإذا تكلم الشيخ كان واضحا ومباشرا لا يتعب السامع في فهم كلامه.

ومما اعتبرته مفاجأة بالنسبة لي، هو أن الشيخ يعرفني وقرأ لي بعض كتاباتي، وبعد انصرافي أثنى عليَّ أمام أحد المقربين منه، مما دعا هذا الشخص الذي سمع ثناء الشيخ عليَّ للتواصل معي وإهدائي نسخة جديدة من أغلب كتب الشيخ رحمه الله.

بدأت أطالع هذه الكتب السبعة التي أهدانيها الأخ -جزاه الله خيرا- فوجدت نفسي أمام جبل أَشَم من جبال العلم والدعوة والجهاد بالقلم واللسان.

ويحسن في هذا المقام أن أذكر بعض الخلاصات التي اقتبستها بتصرف مما كتبه الشيخ في مقدمة مذكراته، لتكون نبراسا يستضيء بها شباب الحركة الإسلامية المعاصرة.

1- محمد سرور بن نايف زين العابدين الحريري، من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مواليد 1938م بقرية تسيل -حوران بسوريا.
2- أنا ابن الشام، رضعت من ثديي أمي الاهتمام بأمور المسلمين مهما تباعدت ديارهم، واختلفت لغاتهم.
3- ولدت أيام احتلال فرنسا لسوريا، ثم شهدت الحرب الكونية الثانية في عامها الأخير، وكانت رحى المعارك بين الحلفاء والمحور مشتدة على بعد بضعة أميال من قريتي.

4- عشت فرحة قومي بانتصارهم على فرنسا وإجبارها على مغادرة سورية، وكانوا يشعرون أن استقلالهم ناقص، لأن الشام أصبح أربع دول حسب اتفاقية سايكس بيكو.
5- عشت نكبة فلسطين عام 1948، ونكبة القدس وسيناء والضفة الأردنية الغربية عام 1967، ورأيت شامَنا ملاذا للمنكوبين كالشيشان والألبان والشركس والداغستان والبلقان والجزائريين والمغاربة، وصاروا مواطنين لهم كل الحقوق التي يتمتع بها قدامى أهل الشام.

6- أنا ابن قرية من قرى حوران، وهي منطقة عريقة لها تاريخها، أهلها مسلمون سُنّة تعرضوا للظلم أيام الدولة العثمانية وما بعدها، اغتصب الدروز جبلها وبطشوا بأهلها وهجَّروهم، وحتى الحكومات الوطنية ظلمت حوران وأهلها، وتجاهل المؤرخون والسياسيون دورها في مواجهة الاحتلال!!
7- اخترت طريق الدعوة والعمل الإسلامي منذ كنت طالبا في الصف الثامن الإعدادي عام 1953، وكان هذا الاختيار أهم وأفضل قرار اتخذته في حياتي.

8- كانت بداية الطريق وحتى نهاية الستينات مع الإخوان المسلمين، ولهم الفضل عليَّ، وخاصة أن معظم أساتذتي وشيوخي في الجماعة كانوا متجردين في دعوتهم من الحزبية الضيقة، منفتحين على أهل الخير والفضل.
9- تجمعت لدي أسباب دعتني إلى فك ارتباطي بالجماعة، وقمت مع بعض الشباب بتأسيس جماعة جديدة، فاستشاط الإخوان غضبا، وأعلن بعضهم حربا شعواء ضدي.

سرور للشباب الدعاة : ابدأوا من حيث انتهينا، أمعنوا النظر في تاريخ الأمم والشعوب، إياكم والتسرع والغرور

10- دفعتني دراستي وتحركاتي للنتائج التي قررتها في كتابي "وجاء دور المجوس" والتي استنكرها الكثيرون، ثم أقروا بصحتها بعد ثلث قرن من الزمان.
11- زرت جبال النصيرية لأرى القوم عن كثب، واخترت بلدة القرداحة وما كنت أعلم -ولا العالم يعلم- أنه سيخرج فيها "إبليس الأبالسة" حافظ الأسد ويصبح رئيسا لسوريا، ثم يورث الحكم من بعد هلاكه لابنه المعتوه بشار، ويستمر حكمهم وطغيانهم نصف قرن، ويرتكبوا من الفظائع ما ليس له مثيل في تاريخ الشام القديم والحديث.

12- عشت مرحلة النفاق في بلادنا، حيث كان شيوخنا وأساتذتنا يقولون لنا في المجالس الخاصة كلاما، ثم يقولون عكسه على الملأ!! وكنت إذا عبرت عن عدم قناعتي بذلك أتعرض لتأنيب أقراني، وكان بعضهم يقول لي: "تمهل فإن شيخنا ألّف كتابا وأوصى بنشره بعد وفاته، وبعد وفاة شيخنا بحثنا عن الكتاب فلم نجد له أثرا!!

13- بشار الأسد الذي تولى حكم سوريا سنة 2000 جعل منها ولاية إيرانية، وصار الحاكم الناهي في كل من إيران وسوريا ولبنان والعراق مرشد الثورة علي خامنئي، فنشروا التشيع في مختلف أرجاء سوريا.
14- بدأت قصتي مع الهجرة عام 1965 مازالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور، تنقلت خلالها بين دول عربية وأوروبية وأمريكا وباكستان وتركيا متمثلا كلمة ابن تيمية (إن سجني خلوة ونفيي سياحة).

15- رأيت الكثير من الشيوخ الكبار مقاما ووجاهة يعبثون ويتضاحكون بخفة وتصدر عنهم كلمات وحركات لا تليق بمن هم في مقامهم، فإذا جاء المريدون قطَّبوا جباههم وتصنعوا الجد في كلامهم!!

ختم مقدمة مذكراته قائلا: "أيها الشباب الدعاة: ابدأوا من حيث انتهينا، ادرسوا أموركم جيدا، أمعنوا النظر في تاريخ الأمم والشعوب، إياكم والتسرع والغرور، ارفعوا سقف مطالبكم ولتكن حساباتكم دقيقة، تعلموا من تجربتنا وتجارب غيرنا ولستم ملزمين إلا بنهج نبينا عليه الصلاة والسلام.

مات الشيخ مساء الجمعة 11/11/2016 رحمه الله رحمة واسعة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.