شعار قسم مدونات

العنصرية تأكلنا

blog فلسطين22

كنت قد ولدت في الدوحة قطر وتربيت على ضفاف ذاك الكورنيش واستتفدت رصيد طفولتي ومراهقتي بين مدارسها وهوائها الرطب وحرارتها الحارقة.
 

كبرت بهوية أردنية من جذور فلسطينية فخورة بانتمائي لقطر، منزلي كان أشبه بمتحف يجمع صور قادة يؤنسون غربة والدي. للغربة أثر كبير في النفوس فقد تجعلك تحن لعود كبريت كتب عليه صنع في الأردن؛ أو ترقص أذنك فرحاً لأنغام "دبكة" في عرس مغترب يقطن ذات الحارة. 
 

هناك من كان ينتقد إجابتي في الوطن؛ إن كان جوابي نسبة لجذوري أُنعت بناكرة الجميل وكأنه عار علي إن افتخرت بفلسطينيتي، وإن كانت إجابتي نسبة لهويتي أُتهم بنسياني لأصلي ولقضيتي

المغتربون يقدرون ويعشقون الوطن بطريقة مختلفة تماماً لمن هم في الوطن نفسه؛ لم ألمس تمييزاً في غربتي ولكني ذقت الأمرين في وطني. 
 

لا أدري ما هي الظروف التي جعلتنا نهجر دوحتنا لنجدنا في أردننا وكانت تلك بداية اتضاح النظر بالنسبة لي، لم أتردد يوماً في غربتي حين كان جوابي "أنا أردنية"؛ وتارة "أنا فلسطينية من الخليل"، لم يكن هناك فرق بالنسبة لي فأنا الاثنتين! أنا فعلاً الاثنتين..

 

ولكن هناك من كان ينتقد إجابتي في الوطن؛ إن كان جوابي نسبة لجذوري أُنعت بناكرة الجميل ويقابلني السؤال المعتاد "أتملكين رقماً وطنياً؟" وأهز رأسي بالقبول ليقابلني التصريح الأعظم "إذاً أنتِ أردنية" وكأنه عار علي إن افتخرت بفلسطينيتي، وإن كانت إجابتي نسبة لهويتي أُتهم بنسياني لأصلي ولقضيتي. 

وفي الجانب الرياضي فأنا مجبرة بالانسحاب دوماً لأن هناك تعصباً منقطع النظير لكل فريق من تلك الأفرقة الرياضية، وكأني متهمة دوماً بجذوري وهويتي وانتمائي. 

أين المفر؟ وما فائدة هويتي إن كنت متهمة بها؟ 
تخونني الذاكرة بعدد المرات التي زارتني فيها جرأتي لسؤال أحدهم عن أصله وفصله وهويته ونسبه وإن كان مهاجراً أو نازحاً، أو ربما برمائياً! 

هل هناك ضرورة حقاً لأعرف الأصل والفصل في التعامل وهل أنا مذنبة إن تجاهلت تلك النقطة! 
حتى على مستوى إنسانيتنا فهناك من يستحق التعاطف بناء على هويته، وكأنني لست مجبرة على التعاطف مع طفلٍ ما على هذه الأرض إلا إن كان نسبه وأصله وهويته وتوجه أهله وديانة جماعته تلائم ماعندي! 
نحارب التطرف ويسكننا ألف متطرف ؛ نُدين الارهاب وكل ما فينا ينادي للارهاب والعنصرية..

أصلي وجذوري وهويتي هي أنا، نفس الشخص والكيان والصوت والقلم، لا يميزني عنك سوى طموحي وهدفي

العنصرية ليست تمييز عرقٍ أو لون فقط، لقد أصبحت العنصرية تطال لهجتك فأنت محط سخرية الجميع إن كانت لهجتك تشبه لهجة آبائك وأجدادك..

أنت متهم لأنك لم تقطع جذورك، ومتهم لأنك فخور بهويتك الجديدة! 
ومتهم بانتمائك لبلدٍ تربيت فيه ولك الكم الهائل من ذكريات لا تمحى بين أرصفة وشواطىء وطن لم يمنحك هوية ولا امتياز..

نتغذى على بعضنا، تأكلنا عنصريتنا، نتلاشى بعدد الشهداء والأطفال الذين لم يحركوا ساكناً في الأغلبية لأن هويتهم لا تعنينا.

أصلي وجذوري وهويتي هي أنا، نفس الشخص والكيان والصوت والقلم، لا يميزني عنك سوى طموحي وهدفي.

كُن خيراً مني بعملك لا بورقة مُنحت لأجدادك كانت أفضل من ورقةٍ منحت لجدي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.