شعار قسم مدونات

“كيد النسا” في انتخابات اليونسكو

blogs السيسي
الأمم المتحدة
لا تهمني شخصيا منظمات الأمم المتحدة ولا هيئاتها أو انتخاباتها، فكلها تربيطات مصلحية، وحركة المنظمة تبع للدول الكبرى المتحكمة في النظام العالمي، ولا فائدة حقيقية مرجوة للمسلمين طالما هم في هذه الحالة من الضعف والاستكانة، فالعالم لا يعرف غير لغة القوة، والوضع السياسي للدولة غالبا ما يقاس بقوتها الحقيقة على أرض الواقع وعلى الساحة الدولية، وتلك المنظمة هي من تشرعن قرارات الدول التي تغزو بلاد المسلمين، وتحاصر شعوبها، وتقتل أبناءها، وتحاول تغريب عقولهم ومحو هويتهم.

هيئة اليونيسكو والنظام العسكري المصري
هيئة اليونيسكو لا تخرج عن السياسة العامة للأمم المتحدة، ولكن اللافت للنظر في انتخاباتها هو دخول مصر بنظامها العسكري في حقب مختلفة من سيطرته على حكم البلاد، دخولها دوما لتفتيت صفوف العرب، وتفريق أصواتهم لصالح الدول الغربية، والأكثر لفتا للأنظار هو تلك الانتخابات الأخيرة، والتي وصل فيها النظام الانقلابي العسكري المصري إلى مراحل أبعد من سابقيه كالمعتاد.

فكما انطلق في علاقات غير مسبوقة مع الكيان الصهيوني، وكما أعلن زعيم الانقلاب أكثر من مرة دعمه المطلق لأمن ذلك الكيان، وعدم سماحه لكون مصر بوابة لزعزعة أمنه (وحصار الشعب الفلسطيني المسلم في غزة من أساسات حفظ الأمن القومي الصهيوني بطبيعة الحال)، وخاطب "الشعب الإسرائيلي" مرتين بشكل مباشر من خلال منصة الأمم المتحدة، موصيا له بالإخلاص لقيادته السياسية، ومؤكدا له السهر على حمايته! كما فعل كل ذلك وغيره، فلا غرو أن تجده – وبكل قوة – ينحو إلى تقوية معسكر دولة غربية ضد دولة عربية، على الرغم من إصابة العسكر لرؤوسنا بالصداع بدعواهم عن القومية العربية عبر عقود طويلة من الزمان.

ما قام به
ما قام به "الدبلوماسي الهتيف" من إعلانه عن رغبته بسقوط قطر وحياة فرنسا، ما هو -في نظري- إلا رغبة من العسكر في إيصال رغبة الشعب المصري في موالاة الغرب على حساب قربه من معسكر الشعوب العربية والإسلامية

والأنكى هو ظهور ممثل الدبلوماسية الخارجية للنظام العسكري وهو يمارس "كيد النساء" في تصريحات متعددة، ويؤكد قبل الجولة الأخيرة للانتخابات وقوف نظامه خلف فرنسا، ويطنطن حول معنى ضمني بأشياء غير جيدة شابت عملية الانتخابات في الجولات الأربع الأولى منها!

الدبلوماسي الهتِّيف.. ورغبات النظام العسكري المصري
ويأتي التعبير الحقيقي عن النظام العسكري المصري، وعن رغباته الدفينة وغير الدفينة، بذلك الهتاف الصبياني ممن يصفونه بممثل الدبلوماسية الشعبية، ومن يعطونه هوية رسمية للدخول لأروقة المنظمات الدولية، حتى يعبر عن "دبلوماسية الشعب"، والمعنى واضح وهو تمثيل الشعب، والإعلان عن رغباته، والتواصل مع قادة وزعماء ومنظمات، وكأن من يتواصل هم ممثلو الشعب وليس مجرد سلطة، فما قام به ذلك "الدبلوماسي الهتيف" من إعلانه عن رغبته بسقوط قطر وحياة فرنسا، ما هو – في نظري على الأقل – إلا رغبة من العسكر في إيصال ذلك المعنى، وهو رغبة الشعب المصري في موالاة الغرب على حساب قربه من معسكر الشعوب العربية والإسلامية.

حتى وإن كانت هتافات فردية لم تخرج إلا من ذلك "الهتيف"، فإن الموقف الرسمي للنظام العسكري يؤكد موافقته على فعلته الشنيعة، وموقفه الأخرق، فالتصريحات الرسمية اكتفت بنفي كونه دبلوماسيا مصريا، وهو فعلا ليس كذلك، فهو ممثل ما يسمونه "الدبلوماسية الشعبية"، وليس ذا حقيبة دبلوماسية رسمية، ولكنهم هم من منحوه فعليا إمكانية الدخول لهذا الرواق، وأيضا لغيره من الأروقة الدولية الرسمية! ولم يصدر أي استنكار رسمي من ذلك النظام العسكري لهذا الفعل، ولا تبرؤ منه، ولن يصدر، فهم من يصدِّرون أمثال هذا "الهتيف" في الإعلام وفي الرحلات الرسمية للأنظمة الغربية والشرقية، لا سيما تلك الأنظمة المعادية للشعوب، كما أرسلوا وفدا قبل ذلك لمقابلة الطاغية بشار، والشد على يديه لقتل شعبه "الإرهابي" الذي يحلم بالحرية، وأطلقوا على الوفد اسم "وفد الدبلوماسية الشعبية".

لن يكون هناك رقي للشعوب أو البلاد إلا حينما يكون العسكر مجرد جيش يحمي من العدوان الخارجي
لن يكون هناك رقي للشعوب أو البلاد إلا حينما يكون العسكر مجرد جيش يحمي من العدوان الخارجي

العسكر الانقلابيون يمثلون خطرا كبيرا على البلاد
لم يتمكن نظام عسكري من الانقلاب والسيطرة على الحكم في البلاد إلا وعاث فيها الفساد، وغير فيها الولاءات، وأظهر أسوأ ما في تلك البلاد، حتى يخيل للمرء أن الشعوب التي تعيش في ظل تلك الأنظمة ما هم إلا حفنة من ذوي التفكير السطحي، تتعايش مع حفنة أخرى من "البلطجية" أو "الشبيحة"، وعلى رأسهم من ينظم شؤونهم ويرعى مصالحهم، ويفصل بينهم، فلا غنى عنه، لأنه كالأب الصارم الذي لا يستيطع غيره ترتيب أوراق بيته!

والنماذج واضحة في تركيا على مدار الانقلابات الأربع التي عانت منها تلك البلاد، وفي مصر منذ العام 1952 م، والجزائر قد نالت نصيبا ضخما من القتل والتشريد وتغييب الهوية، لا سيما بعد الانقلاب على جبهة الإنقاذ، بل ولم تنج البلاد الغربية من تلك الانقلابات، فالبرازيل وتشيلي والأرجنتين عاشت أسوأ حقبها تحت نير تلك الأنظمة.

الحرية الحقيقية 
ولن تكون هناك حرية حقيقية إلا بالتخلص من الأنظمة العسكرية، بكل السبل المشروعة، ولن يكون هناك رقي للشعوب أو البلاد إلا حينما يكون العسكر مجرد جيش يحمي من العدوان الخارجي، ولا يتدخل أبدا في حكم أو سياسة، ولن يكون هناك حكم ناجح إلا في ظل حكم الشريعة الإسلامية، التي جمعت المسلمين على مدار أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان في أقصى مشارق الأرض ومغاربها تحت حكم واحد، ووحدة جامعة بكتاب يهدي وسيف ينصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.