شعار قسم مدونات

هل في الزواج سعادة

blogs - زواج
هكذا هي الحياة تسير بسرعة فائقة كالبرق دون أن تقف عقارب الزمن فيها لحظة واحدة لتنتظرنا نرتب بعض أوراقنا المبعثرة، أو نرسم بعض خرائطنا المنقوصة، أو نتحدث بعض أحاديثنا المثقوبة، أو ننظم بعض أولوياتنا الباهتة، أو نتذكر بعض ذكرياتنا الجميلة لا يعنيها هذا كله، فهي ماضيةٌ ولا تنتظر أحداً مهما بلغ من القوة وامتلك من الثروة، ولا تكترث لأحدٍ ولا يستطيع أن يقف بوجهها أحد تلك هي الدنيا، نعطيها جلَّ اهتمامنا ولا تعطينا أدنى اهتمامها.

يظن البعض أن السعادة تكمن في الزواج وإذا وصلتْ لمرحلة عمرية ما هذا يعني أنك تعيش بؤسا ومقتا، فماذا يعني مثلاً أن تصل إلى سن الثلاثين دون ارتباط؟ هذا السؤال يحتاج لتأمل وتدبر وتفكر عميق ولعشرات المجلدات لإجابته بدقة، فهذا العمر تحديداً يضع صاحبه على مفترق طرق، والناس من حوله تبدأ بوضع علامات الاستفهام وتطرح أسئلة مبطنة لا تكاد تجد لها إجابة في الذهن وتستغرب مندهشاً منها ثم تلوي عنقك وتضغط بشدة على السيجارة وتأخذ نفساً عميقاً مع رشفةٍ من فنجان القهوة لتسأل نفسك متهكماً: ألهذا الحد وصلوا بأن يُسوِّقوا الإشاعات جزافاً وبلا دليل في قضية لا تخصهم ولا تعنيهم من حيث المبدأ.

الناس من حولك لا يكترثون بك ولا بأمرك وكل ما يعنيهم أن يحاولوا معرفة ما وراء الأكمة من أمرك وأن يخترقوا خصوصيتك
الناس من حولك لا يكترثون بك ولا بأمرك وكل ما يعنيهم أن يحاولوا معرفة ما وراء الأكمة من أمرك وأن يخترقوا خصوصيتك
 

ليتهم طرحوا هذه الأسئلة بكلِّ جرأةٍ على الأنظمة المهترئة التي سلبت حقوقهم، وقيّدت حريتهم وكتمت على أنفاسهم، وصلبت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وجعلتهم عبيداً عندها وخدماً لها، لا ضير فتلك الأسئلة لا يقوى عليها إلا الرجال أما ما تبقى من الأسئلة فهي من اختصاص أشباه الرجال. فعندما تعيش في مجتمعٍ أقصى أهدافه الارتباط وليس أسماها فهذا يعني أن هذا المجتمع لم يدرك بعد قدسية الارتباط، فالناس ترتبط دون أن تعي قدسية الارتباط، فالارتباط عروة وثقى وحبلٍ متين وهو بحد ذاته فكرة نبيلة سامية وعظيمة فيه مودة ورحمة واستقرارٌ للنفس وهي سنة الله في أرضه التي لا غنى عنها ولا مفر منها.

ولكن ثمة معضلة في طريقة طرح الأسئلة التي تُوحي إليك بأن الناس من حولك لا يكترثون بك ولا بأمرك وكل ما يعنيهم أن يحاولوا معرفة ما وراء الأكمة من أمرك وأن يخترقوا خصوصيتك إلا من رحم الله ويكأنهم هم السعداء وأنت الشقي والمحروم، فتجدهم إذا وصلت لهذه المرحلة من العمر أو تجاوزتها دون ارتباط سلّطُو ألسنتهم عليك ولم يُكفوها عنك ووجّهوا سهامهم تُجاهك وكل التهم مُشرعةً أبوابها لتنهال عليك، لكنك تقع بين مقولاتٍ عدة تسمعها من هنا أو هناك تقف حائراً أمامها مذهولاً ومصدوماً من ناحية.

ومن ناحية أخرى تنظر في المرآة فتبتسم ضاحكاً من أعماق قلبك ثم تنصرف لقضاء بقية أعمالك غيرَ مبالٍ ولا مكترث بما يقولون عند الوهلة الأولى، أما عند الوهلة الثانية قد تدرك أنهم كانوا محقين ومحقين حقَّاً في فكرتهم وسؤالهم، لكن التعبير ربما خانهم في صياغة السؤال وما تلاه من استفسار، أما ولئك الذين تتعدد مقولاتهم وتكثر اسألتهم لم يخنهم التعبير وصاغوا السؤال بدهاء ومكرٍ وخديعةٍ يتبعه ذكاء مقنن يحاولون من اسألتهم فتح جروحك وتحطيم آمالك وتكسير مجاديفك.

هل السعادة تكمن في الزواج وحده دون سواه أم في الأموال وامتلاك الثروات أم في إنجاب الأطفال أم في المناصب والجاه؟
هل السعادة تكمن في الزواج وحده دون سواه أم في الأموال وامتلاك الثروات أم في إنجاب الأطفال أم في المناصب والجاه؟
 

هم يستلذون بشدةٍ إذا رأوا في عينك الانكسار، وفي الواقع هم يستخدمون نظرية الإسقاط فيسقطون كل تعاستهم عليك ليخبروك أنهم سعداء وأنت المحروم الوحيد وهم يحاولون بذلك أن يعوضوا عن التعاسة التي لامست قلوبهم، فتسمع منهم أحياناً بأذنيك أو نقلاً عنهم ما الذي يمنع هذا الرجل من الزواج؟ ولماذا هو لم يرتبط حتى هذه اللحظة؟ ثمّ يُجيبون أنفسهم بأنفسهم إنه لم يرتبط طيلة هذه الفترة الزمنية إلا لأنه غارق في الحرام حتى أخمص قدميه، ومشبعٌ غرائزه ورغباته بالطرق الملتوية وغير المشروعة أيظن هذا سعادة!

وفي المقابل تسمع أصواتاً خافتةً تأتي من هناك تحاول أن تؤذيك لكن بطريقةٍ أُخرى وأسئلة أكثر غباءً وأقل حبكةً؟ ثم يجيبون أنفسهم بأنفسهم بأن ذاك الرجلٌ لا تستهويه حواء ولا ملامحها ولا خصرها المائل كغصن البان، لخللٍ في عضويته وتركيبته ويكثر الهرج والمرج وتلفق الإشاعات، فتغض الطرف مبتسماً من كلاً الطرفين الذين تركوا قضايا الأمة الجسام وأمسكوا بقضية هؤلاء، يا لوقاحتهم!

لستُ من الذين يرون أن التأخر في الزواج له نكهة ولذة ولا أُبرر ذلك إطلاقاً، وقد يكون التأخر خطيئة العمر وزلة لا تغتفر، ولكن في الوقت ذاته أيضاً لا أرى أن التأخر خطيئة العمر وزلة لا تغتفر، فهذه المسألة من وجهة نظري الشخصية ليست شائكة ومعقدة بل هي مسألة محسومة ومنتهية، ومتى أراد الله عزوجل لها أن تُحسم سيُحسم أمرها في لحظةٍ لم تكن تتوقعها البتة، وليس مطلوبٌ منك إلا أن تسعى إذا أردت، والمال أحياناً قد لا يكون عائقاً عند الشروع بهذه الخطوة، فهناك من الذين نعرفهم كانوا لا يملكون فلساً واحداً ولا شقة ولا وظيفة ومع ذلك أقدموا على هذه الخطوة وسهل الله لهم أمورهم أيُّما تسهيل، حدث ذلك ببساطة لأن الوقت قد حان أجله من عند الله عزّوجل، ولا رآد لأمر لله سبحانه إذا جاء.

لكن يبقى ثمة سؤال يتخلله بضعةُ أسئلة بداخلها بعض الاستفسارات والاستفهام؟ هل السعادة تكمن في الزواج وحده دون سواه أم في الأموال وامتلاك الثروات أم في إنجاب الأطفال أم في المناصب والجاه؟ وما علاقة السعادة بالزواج؟

السعادة شعور نابعٌ من القلب تحاكيه الجوارح ومنطقية اللسان في الكلام، السعادة مشاعر والمشاعر لا تشترى ولا تباع
السعادة شعور نابعٌ من القلب تحاكيه الجوارح ومنطقية اللسان في الكلام، السعادة مشاعر والمشاعر لا تشترى ولا تباع
 

يبدو للناس من النظرة الأولى أن كل ما سبق هي السعادة، ولكن من كان مؤمناً خالصاً يُدرك أنه ليس في ذلك أيُّ سعادة، لأن الله عزوجل لا يظلم أحداً مثقال ذرة، فالله عزوجل يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء ذكوراً ويجعل من يشاء عقيماً فلو كان في الإنجاب سعادة فهذا يعني أن الله ظالم وحاشى لله أن يظلم مثقال ذرة، ولو كان في المال والسلطة والجاه سعادةً لأصابنا شعور بأن الله ظالم لأنه أعطى أولئك أموالاً وسلطةً وجاهاً وعيالاً وهم بذلك سعداء ونحن أشقياء لأنه منع عنا المال والسلطة والعيال، كل ما سبق هي مظاهر السعادة وليس السعادة التي ينشدها الإنسان، لأن السعادة لا تعني إطلاقاً امتلاك الأشياء مهما كانت ثمينة وذات قيمة.

السعادة أن يرزقك الله زوجة صالحة مُصلحة تنسيك هموم الدنيا وأتعابها وتقف بجانبك لمجابهة الحياة وظروفها المعقدة تكون عوناً لك لا عليك تقودك للخير ولذلك النبي قال "الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة"، أما تلك الزوجة التي لا ينفك لسانها عن القيل والقال فهذه قمة التعاسة وستجلب لك كل أنواع الهموم والشقاء وستقلب حياتك إلى جحيم لا يُطاق، وما أكثر البيوت التي نراها من الخارج مطلية بالزخارف والذهب لكنها من الداخل خاوية لا روح فيها ولا حراك.

السعادة أن تنام ليلك الطويل وأنت مرتاح البال والضمير دون أن تظلم أحداً أو تؤذي إنساناً.. السعادة يا سادة أن يرزقك الله ولداً يكون صالحاً ومصلحاً في الأرض يذكرك بدعواته عقب رحيلك وفي حياتك، يوكن مصدر راحتك بأخلاقه العالية وأدبه الرفيع، أما الولد سيء الخُلق فهذا سيزيد حياتك عناءً وشقاءً وبعد وفاتك ستنهال عليك الدعوات واللعنات من الناس لما يقوم به من سلوكيات مزعجة، السعادة يا سادة لا تعني امتلاك سيارة ولا شقة ولا بيتاً ولا شهادة ولا عيالاً فما قيمة ذلك كله إذا كانت سبباً في كل أسقامك وشقائك؟

وبالله عليك.. قل لي كيف ستكون سعيداً إذا ربحت العالم كله وملكته وخسرت نفسك، السعادة شعور نابعٌ من القلب تحاكيه الجوارح ومنطقية اللسان في الكلام، السعادة مشاعر والمشاعر لا تشترى ولا تباع، ولو كانت تشترى لاشتراها الملوك فهم ملكوا الجاه والقوة والمناصب والثروات والزوجات والعيال ولكنهم ما ملكوا أدنى مقومات السعادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.