شعار قسم مدونات

من يشتري قلب القاهرة؟!

blogs القاهرة

زوار عاصمة تركيا السابقة إسطنبول يحرصون على زيارة قصر توب كابي مقر الخلافة العثمانية وقصر دولما بهجة آخر مقر حكم لمصطفى كمال أتاتورك الذي نقل العاصمة إلى أنقرة، لم يبع الأتراك عاصمتهم التاريخية ولم يحولوا قصورها ومبانيها التاريخية الى القطاع الخاص رغم موقع تلك المباني وقيمتها، فهل تلقى مباني الحكم في وسط البلد بالقاهرة ذات المصير؟ ما فعله الأتراك في اسطنبول هو استنساخ لما تم في كثير من العواصم التاريخية التي نزع منها حكامها مقرات الحكم لكن لا يبدو أن القاهرة ستلقى ذات المصير.

 

بنهاية يونيو بعد القادم من المقرر وفقا لتصريحات السيسي أن تنتقل كل وزارات مصر ومقار حكمها الى الصحراء الشرقية حيث عاصمته الادارية الجديدة التي لم يسمها بعد، ورغم التفاعل والجدل الشديدين الذين صحبا هذا المشروع ومدى تأثيره على أمن العاصمة القومي إلا أن سؤالا مهما لم يطرح حتى الآن، ما مصير مبنى البرلمان المصري الذي بناه الخديوي اسماعيل عام ١٨٦٦ بعد أن ينتقل زملاء علي عبد العال إلى العاصمة الجديدة؟ وما مصير مبنى وزارة الخارجية على كورنيش النيل وقصرها المنيف في مدخل ميدان التحرير من ناحية كوبري قصر النيل؟ ماذا سيحصل لمبنى وزارة الداخلية في شارع الشيخ ريحان ووزارة العدل في ميدان لاظوغلي باشا؟ ما مصير قلب العاصمة التي بناها الفاطميون وساهم من أتى بعدهم في استكمال لبنات مدينة كانت لقرون إحدى عواصم المشرق.

تتوزع ملكية الجيش للشركة التي تملك العاصمة على جزأين حيث يمتلك جهاز بيع الأراضي بنسبة ٢٢ ٪ وهو قيمة الأرض التي خصصها السيسي للجهاز وجهاز الخدمة الوطنية بنسبة ٢٩٪
تتوزع ملكية الجيش للشركة التي تملك العاصمة على جزأين حيث يمتلك جهاز بيع الأراضي بنسبة ٢٢ ٪ وهو قيمة الأرض التي خصصها السيسي للجهاز وجهاز الخدمة الوطنية بنسبة ٢٩٪
 

للإجابة على هذه الأسئلة لابد من الرجوع قليلا لتاريخ عاصمة السيسي، بدأ المشروع بماكيت ضخم وتصريحات فلكية مشتركة من السيسي والمستثمر الإماراتي محمد العبار انتهى الاتفاق سريعا بعد انسحاب الإماراتيين بعد خلاف على التمويل. بعدها دخل الصينيون على الخط لكنهم انسحبوا لذات السبب. لم يجد السيسي بدا من تمويل المشروع باستثمارات مصرية، والحل أن تتحمل كل وزارة تكاليف انتقالها بنفسها وأن تدفع ثمن مبانيها من موازناتها.

"مش هنعمل وزارتين" أحمد زكي عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة ردا على سؤال هنعمل إيه في مقرات الوزارات القديمة بالقاهرة، تكلفة بناء المباني الحكومية بالعاصمة الجديدة قدرها وزير الإسكان ب ٣٥ مليار جنيه لن تتحمل خزينة الدولة مليما واحدا منها وفقا لنفس الوزير، من إذا سينفق على تشييد هذه الوزارات؟

شركة العاصمة الإدارية هي شركة مساهمة مصرية تم إشهارها وفقا لقانون الاستثمار ٨ لسنة ٩٧ رأس ماله المدفوع ٧ مليارات جنيه من موازنة وزارة الإسكان أما رأس المال المرخص به فهو ٢٠٤ مليار جنيه، تتوزع ملكية الجيش للشركة التي تملك العاصمة على جزأين حيث يمتلك جهاز بيع الأراضي بنسبة ٢٢ ٪ وهو قيمة الأرض التي خصصها السيسي للجهاز ثم دخل بها الجهاز شريكا وجهاز الخدمة الوطنية بنسبة ٢٩٪ ليكون إجمالي ما تملكه القوات المسلحة من العاصمة الجديدة ٥١ ٪ فيما تمتلك هيئة المجتمعات العمرانية بقية ال ٤٩ ٪ من قيمة الشركة وبالنظر الى انسحاب المستثمر الاماراتي محمد العبار ومن بعده المستثمر الصيني من تمويل المشروع وبالنظر الى التأكيدات بعدم تحمل خزينة الدولة مليما واحدا من إذا يمول المشروع؟

الإجابة على شقين:

الشق الأول: يتعلق بتمويل الأحياء السكنية التي بدأت الشركة بالفعل في بيع أراضيها للمستثمرين وتجاوز سعر المتر الواحد في تلك الأراضي الثلاثة آلاف جنيه، وهو تمويل منطقي ومفهوم، قرار رئاسي من السيسي بتخصيص الأراضي بالمجان للقوات المسلحة التي تبيع الأرض لم يريد وتبني المرافق من حصيلة البيع لتملأ خزائنا البعيدة عن الرقابة بمئات المليارات.

الواضح حتى الآن في ظل غياب أي حديث عن مصير هذا التاريخ الذي سيكون خلال أشهر تحت رحمة ملاك شركة العاصمة أن الشركة تحاول تعويض الاستثمارات الإماراتية والصينية التي هربت

الشق الثاني: يتعلق بتمويل الحي الحكومي ب ٣٥ مليار جنيه من سيدفع الفاتورة؟ إذا لم تتحمل موازنة الدولة مليما واحدا وإذا كانت الوزرات والإدارات الحكومية غير قادرة على تمويل بناء منشآتها الجديدة؟ 

هنا يأتي الدور على مباني القاهرة التاريخية التي تم بناء العدد الأكبر منها قبل الجمهورية في عصر محمد علي ومن خلفه من بعده، فوفقا لتصريحات رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة أحمد زكي عابدين والتي أكدها من بعده وزير الإسكان الحالي مصطفى مدبولي فإن الإدارات الحكومية التي لن تستطيع تحمل تكلفة بناء مقراتها الجديدة ستنقل ملكية مبانيها إلى الشركة المساهمة التي تملك القوات المسلحة ٥١٪ من ملكيتها "شركة العاصمة الإدارية الجديدة"!

فإذا كانت الشركة تدار وفقا لقانون الاستثمار الذي أشرنا إليه مسبقا كشركة مساهمة في حواره مع جريدة المال المصرية قال رئيس الشركة زكي عابدين في أكتوبر الماضي أنه سيجري نقل ملكية الأصول بالقاهرة إلى شركته لإدارتها مقابل تميل بناء الوزارات الجديدة، لكن عابدين لم يجب على عدة أسئلة تبدو مهمة في هذا السياق:

* هل يملك الوزراء الحاليون مباني مزاراتهم حتى ينقلوا ملكيتها لشركة مساهمة تدار وفقا لقانون الاستثمار؟ 
* من يراقب شركة العاصمة الإدارية الجديدة خلال تصرفها في هذا التراث الضخم الذي يجسد ذاكرة قلب مصر المعاصرة؟
* ما هو مصير تلك المباني في ظل تصريحات السيسي السابقة "ماعنديش حاجة ببلاش" هل سيتحول مبنى البرلمان المصري مثلا لمدينة ملاهي وهل سيصبح بمقدور السياح المبيت في مبنى وزارة الخارجية بعد تحويله لفندق؟

 

الواضح حتى الآن في ظل غياب أي حديث عن مصير هذا التاريخ الذي سيكون خلال أشهر تحت رحمة ملاك شركة العاصمة أن الشركة تحاول تعويض الاستثمارات الإماراتية والصينية التي هربت، فهل سَتُباع القاهرةُ مهراً لضُرتها الجديدة؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.