شعار قسم مدونات

محمود حسين.. قريبا سيملأ الحياة على أصحابه

مدونات - محمود حسين

ولد محمود حسين يوم الثاني عشر من كانون الأول 1966 في زاوية "أبو مسلم" في الجيزة لأب مزارع، في عائلة من أربعة اخوان وخمس أخوات. تفوق في الثانوية العامة في مدرسته أحمد لطفي السيد في محافظة الجيزة في 1984 وحصل على الشهادة الجامعية الأولى في الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم نال شهادة الحقوق في 1994، كما درس التاريخ في كلية الآداب، وحاز دبلوم العلوم السياسية من معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في 1998.

 
كان محمود حسين على الدوام محامياً ناصرياً عاشقاً للصحافة، مؤثراً في غيره، صاحبَ تجربة ثرية، محباً للشعر، وسطي النهج، فكاهياً ككل المصريين، متوازناً، حيادياً، حرفياً يحمل في نفسه طيبة المصري وإنسانيته التي تعم الآخرين، سافر إلى حسين إلى العديد من الدول وعمل مراسلاً في العديد من المواقع، سبق أن حاور الرئيس عرفات، والتحق في 2010 بقناة "الجزيرة" منتجا ومراسلا، وشارك في تغطية ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، واستمر في عمله إلى أن أغلق مكتب "الجزيرة" في القاهرة منتصف 2013، فانتقل إلى الدوحة ليعمل منتجا في قسم المراسلين.

 
وفي 20 كانون الأول 2016 عاد محمود حسين إلى القاهرة في إجازة سنوية، فأوقفته سلطات الأمن في المطار لمدة 15 ساعة، ثم عاودت اعتقاله، قبل أن تعلن نيابة أمن الدولة عن حبسه لمدة أسبوعين على ذمة التحقيق، بدعوى "نشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية لمصر.. واصطناع مشاهد وتقارير إعلامية وأخبار كاذبة"، وتم رفض تمديد إجازته من قبَل الإذاعة، والرجل ذو حظ عاثر، فقد أوقعه عمله في مهنة المتاعب في المنتصف بين السلطات المصرية و"الجزيرة"، ولك أن تتصور ما بعد ذلك!

يجمع الكثير من المحللين على أن دول وأنظمة ما بعد الربيع العربي تبحث كلها عن المواطن المحايد الذي ليست له أجندة، وهكذا كان محمود! أسيء تقديره وفهمه من قبل بعض الإعلاميين القيصريين والحرَس القديم، فلولا أن الرجل يقيم في دولة خليجية لظننت أنه من المقربين من أصحاب القرار.

 

الرجل الخمسيني محمود حسين، بأوضاعه الصحية المحزنة، ورث الناصرية عن والده، لذا فخطه الفلسفي يلتقي مع التيار العسكري في الدولة
الرجل الخمسيني محمود حسين، بأوضاعه الصحية المحزنة، ورث الناصرية عن والده، لذا فخطه الفلسفي يلتقي مع التيار العسكري في الدولة
 

ولعلي أجتهد اجتهاداً شخصياً لا أريد به سوى الحقيقة، فمن الواضح أن القضاء المصري قاب قوسين أو أدنى من الإفراج عنه لعدة اعتبارات، منها انقضاء ما يزيد عن عام في سجن طرة في القاهرة حبساً احتياطياً دون الاستناد في احتجازه إلى أسانيد قانونية، مع تمتعه بصفات التوازن والحيادية والحرفية وشمولية نظرته الإنسانية إلى الآخرين، بعيداً عن الانتماءات والارتباطات الفكرية والثقافية.

كما أن الفئات التي كان يخالطها توزعت على كافة المشارب والاتجاهات، والرجل يضع في بيته القرآن الكريم ونسخة من الإنجيل، كما صرحت بذلك ابنته في لقاء إعلامي، وبذا فهو أقرب إلى الوسطية والوطنية من كثيرين يتهجمون عليه. ومن العار أن يتم حبسه احتياطياً لعام كامل ويزيد، ولا يعقل أن يكون ذلك تمهيداً لمحاكمته بأثر رجعي على خلفية تغطيته للربيع العربي في ميدان التحرير والثورة المصرية والليبية وأسفاره في العالم.

فالرجل لم يكن منتجاً لفيلم الجزيرة "الحدود"، وإن كان واقع الجندية في العالم كله يتسم بالكثير من الاختلالات، وفي بعض البلدان الأفريقية يقترب من صناعة العبودية، وقد عبّر الرجل عن عدم رضاه عن الفيلم لمرؤوسيه في قناة "الجزيرة".

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس في سجل الرجل ما يشينه، لذا عاد باطمئنان إلى بلده، لقضاء إجازته السنوية مع عائلته بكامل ثقته في نفسه ومهنته وحرفيته، ولم يكن ليعود لو قام فعلا بما هو غير قانوني، فليس الرجل ساذجاً إلى ذلك الحد، وهو الإعلامي القانوني الطموح المتنقل بين الصحافة وإعداد البرامج وإذاعتها، والباحث في عدد من مراكز البحوث والدراسات السياسية.

فالرجل الخمسيني، بأوضاعه الصحية المحزنة، ورث الناصرية عن والده، لذا فخطه الفلسفي يلتقي مع التيار العسكري في الدولة، والرجل قبل هذا وذاك، هو أحد رجالات الإعلام في مصر، أوَلم يعمل بُعيد تخرجه محرراً ومعداً للبرامج في إذاعة "صوت العرب" المصرية لمدة عقد كامل؟! كما عمل باحثا في مراكز الأهرام والوحدة العربية والدراسات الحضارية، وما لبث أن تحوّل للعمل التلفزيوني منذ 1997 عقب نقله إلى قناة "النيل" المصرية، إذ عمل صحافياً ومراسلاً وعمل في التدريس في معهد الإذاعة والتلفزيون المصري، مقدما دورات حول إعداد التقارير الإخبارية وتحرير النشرات والكتابة للتلفزيون. وسرعان ما وصل إلى رتبة كبير المراسلين ومديراً للقسم في ما بعد. كما عمل مراسلا لقناة "العالم" الإيرانية في 2004، ثم مراسلا لتلفزيون البحرين في 2005 وتلفزيون السودان في 2006، ومدير مكتب قناة "الرافدين"، ومكتب التلفزيون السوداني في القاهرة.
 

التهم التي بثها التلفزيون المصري عبر مقطع حول اعترافاته بإخفاء المعدّات والشرائط التي تخص القناة، متهماً إياه بـ
التهم التي بثها التلفزيون المصري عبر مقطع حول اعترافاته بإخفاء المعدّات والشرائط التي تخص القناة، متهماً إياه بـ"إعداد مخطط لإثارة الفوضى في مصر عن طريق بث إخبار كاذبة" هي تهم ملفقةٌ وكاذبة
  

وتلقي منظمة "مراسلون بلا حدود" المسؤولية الكاملة عن سلامته وصحته على القاهرة، وهذا يفاقم تقارير المنظمات الدولية حول الانتهاكات التي تطال الصحافيين في ظروفهم القاسية، ملقية الضوء على مخالفات حقوق الإنسان. وحري بأعضاء نقابة الصحافيين، برئاسة الأستاذ عبد المحسن سلامة، أن يساندوا زميلهم الذي كان كاشفاً للحقيقة، وتاريخه الحافل كفيل باستلام مناصب رفيعة لو كان منافقاً وصولياً تسلقياً، وكدليل على ما نقول فقد عقدت لجنة "توم لانتوس" لحقوق الإنسان جلسة استماع في الكونغرس الأميركي في منتصف كانون الأول 2017 مخصصة لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات السبع الأخيرة، وأوردت أن القاهرة شرّعت قوانين تُجرّم التظاهر وتحد من حرية الإعلام وممارسة العبادة، وتم الاستحواذ على القضاء. كما استنكر التقرير استمرار اعتقال آلاف المعارضين دون توجيه تُهم لهم، أو إتاحة المشورة القانونية، علاوة على حرمانهم من الرعاية الطبية.

وفي رأيي فإن "الجزيرة" ليس لها ضلع في ما جرى، وهي صوت المعارضة الحرة، وليست طرفا في أي نزاع مصري،  داخلي أو خارجي، والصحافي أمام خيارين: إما أن يكون كاشفاً وإما أن يكون كاتماً، و"الجزيرة" تقوم بدورها الإعلامي كغيرها، بصوتها الحر وإعلامها المتوازن، والتزامُها بشرف المهنة ليس جريمة، ولا تخضع للابتزاز والضغوط، مصرة على إيصال المعلومة إلى المشاهد بمهنية وجرأة، وقد تم اعتقال زملاء في "الجزيرة" الإنجليزية لفترات طويلة قبل الإفراج عنهم.

إن التهم التي بثها التلفزيون المصري عبر مقطع حول اعترافاته بإخفاء المعدّات والشرائط التي تخص القناة، متهماً إياه بـ"إعداد مخطط لإثارة الفوضى في مصر عن طريق بث إخبار كاذبة" هي تهم ملفقة وكاذبة. كما بثت قناة "صدى البلد" المصرية الخاصة مقطع فيديو آخر لما وصف بأنه اعترافات حول فيلم العساكر قال فيه محمود "إن الفيلم تضمّن مشاهد لتشويه العسكرية المصرية والجندية المصرية" وقال إنه رفض الفيلم هو وزملاؤه المصريون، وإن إدارة "الجزيرة" ضربت آراءهم عرض الحائط.

إن الضمانات القانونية تكفل له الحديث بإرادته، دون ترويع له ولأسرته، ومنعه من التواصل مع عائلته ومحاميه، وانتزاع اعترافاته قسراً، ما لا يُعتدّ به قانونا ولا تسمح الأعراف الدولية بنشر "اعترافاته" تحت الإكراه، عبر وسائل الإعلام المختلفة، قبل عرضه على القضاء بهدف شيطنته وتجريمه وتشويه صورته.

وختاماً، دعونا نستمع إلى ما قاله عنه صديقه المقرب أنس زكي: "محمود يملأ الحياة على أصحابه"، وقطعاً، أمثال هذه الأيقونات من المعيب حبسها، وهي المحبة للحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.