شعار قسم مدونات

"باسم يوسف" وظلم المسلمين للأقليات

Popular Egyptian satirist Bassem Youssef talks during a news conference in Cairo in this June 2, 2014 file photo. Humour was one of the only channels for protest under successive Egyptian autocrats accused of mismanagement, repression and corruption. But President Abdel Fattah al-Sisi's tightening grip on power is leaving little space for critics, comics or cartoonists. Despite a massive following at home, Youssef has decided to move to the U.S. to become a resident fellow at Harvard's Institute of Politics at the John F. Kennedy School of Government. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany/Files (EGYPT - Tags: POLITICS MEDIA)
 
قبل أيام أجرت قناة دويتشه فيله المحطة الألمانية الناطقة بالإنجليزية حوار تلفزيونيا مع باسم يوسف وتحدثت معه في قضايا مختلفة منها وضع المسلمين في أمريكا بعد ترمب، عند سؤال الدكتور باسم عن وجود أي مخاوف له من التمييز في أمريكا خصوصا أنه مقيم هناك أجاب أنه مقيم في ولاية زرقاء "ديمقراطية" هي كاليفورنيا ولذلك فهو لا يشعر بأي قلق تجاه ترمب، ثم أضاف أن ما يفعله دونالد ترمب مع المسلمين هو نفسه ما فعله المسلمين مع غيرهم مشيرا إلى اضطهاد الأقليات.

حقيقة إن ما قاله باسم يوسف هي إحدى أشد الافتراءات شيوعا ًتجاه المسلمين وأكذبها؛ فلم توجد أمة رحيمة مع الأقليات مثل الأمة الإسلامية سواء كانت تلك الأقليات مسيحية أو من طوائف إسلامية منشقة، وحتى في فترات "تعصب" بعض الحكام المسلمين، فقد كان المجتمع الإسلامي محتضناً للأقليات وحامياً لهم من بطش ونزوات الحكام، ورغم أن بعض هذه الأقليات استبدلت هذا العطف بالإجحاف والشفقة بالنكران واختارت تطعن مجتمعها في الظهر بالتعاون مع الطغاة والغزاة فلم يتعرض المسلمون سوى للمذنبين منهم ولم يؤاخذ الجميع بجريرة أقلية صغيرة.

و رغم تورط بعض الأقباط في جريمة موالاة الاحتلال الفرنسي وانخراطهم في جيش يعقوب الخائن فإن المسلمين لم يحملوهم مسؤولية ما حدث واعتبروا أن من تبع يعقوب كما يقول الجبرتي ما هم إلا بعض "أراذل القبط".

إن الزعم الذي ساقه باسم لا يستقيم مع حقائق التاريخ الماضي ولا حقائق الواقع المعاصر، فعنصرية الغربيين ضد الأقليات معروفة، وإن أسوأ حاكم مسلم لم يصل في طائفيته وكرهه للأقليات إلى مستوى الملكة ماري البريطانية الشريرة التي كانت تحرق الهراطقة "البروتستانت" وأطفالهم حتى حديثي الولادة منهم، ولم يصدر أي حاكم مسلم مرسوم إرهابيا مثل مرسوم نانت الذي طهر بموجبه لويس الرابع عشر فرنسا من كل البروتستانت الفرنسيين وقام بتهجيرهم تجاه كندا وسويسرا وهولندا، ولا مرسوم الطرد الذي أصدره الملك الإسباني فيليب الثالث بحق الموريسكيين "المسلمين المدجنين الإسبان" والقاضي بتهجيرهم من إسبانيا بعد سرقة أموالهم وخطف أطفالهم -دون الخامسة- ليؤخذوا لملاجئ الأيتام ويعمدوهم هناك، وكذلك الجرائم التي ارتكبها المهاجرون الأوربيون بحق سكان البلاد الأصلين في أمريكا وأستراليا.. وكل هذا الأمر كان في عهود ما قبل العلمانية.

أما وبعد أن تعلم الغربيون وفصلوا الدين عن الدولة بالدساتير فقد استمر اضطهادهم للأقليات، فأقلية المورمن في أمريكا اضطهدت من قبل الدولة لأنها توافق على تعدد الزوجات واليهود استمر اضطهادهم في فرنسا رغم الكلام الجميل المكتوب في وثيقة الثورة الفرنسية وعاشوا في الجيتو وظل المجتمع ينظر إلى اليهود نظرة احتقار وازدراء، ناضل دوركايم وإميل زولا لإلغائها، وكذلك الحال لمسلمي اليونان الذين قامت دولتهم بتهجيرهم باتجاه الأناضول "تركيا" مقابل أن تقوم تركيا "العلمانية" بتهجير مسيحييها تجاه اليونان وكذلك الحال بالأقليات المسلمة التي كانت تعيش في روسيا القيصرية.
 

ومن بعد ذلك الاتحاد السوفيتي فقد مورس ضدهم أبشع أنواع الاضطهاد من التنصير القسري والاستعباد في عهود القياصرة الأوائل وحتى التهجير الممنهج ومسخ الهوية كما مورس ضد تتار جزيرة القرم والتي أصبح سكانها الأصليين أقل من 20% بعد قرنين من الاحتلال الروسي والسوفيتي لها، ولا ننسى الجريمة البشعة التي قام بها النازي هتلر في حق الأقلية اليهودية المتمثلة في حرقهم أحياء في أفران الغاز .
 

كل هذه الجرائم موثقة للأوربيين والأمريكان، فما هي الممارسات التي قام بها المسلمون والتي يراها باسم يوسف مشابهة لتصرفات دونالد ترمب.
 

رغم الحملة الصليبية الإرهابية التي شنها الفرنج على الشرق فلم يتم الاعتداء على مسيحي واحد يقيم بين المسلمين سواء كان هذا المسيحي ينتمي للكنيسة الشرقية أو للغربية طوال مدة الحملة أو ما بعدها رغم أن من قام بالحملة الصليبية هم أشخاص يرتدون الصليب بشكل واضح ويرفعون شعارات دينية مسيحية، بل إن أغلب المؤرخين المسلمين اختاروا تسمية الصليبيين بالفرنجة تمييزا لهم عن المسيحيين الذين يقيمون في المشرق ولم يظهر مصطلح الصليبيين إلا في القرن التاسع عشر والعشرين.
 

رغم المذابح البشعة التي قام بها المتمردون اليونانيون بحق المسلمين الأتراك والتي يتفاخر بها "نيكوس كازنتكيس" في كل رواياته فقد قبلت الدول المسلمة باليونانيين كلاجئين لديها مثل مصر، وفي ذلك يقول رفاعة رافع بك الطهطاوي في مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية عن حروب محمد علي "وكذلك حروبه في مورة فإنها من الأفعال المبرورة حيث أن أروام تلك البقاع هجموا على الإسلام في الجوامع والمساجد فقتلوا منهم الجم الغفير ولم يرحموا الشيخ الكبير ولا الطفل الصغير، وفتكوا بالجميع بطريقة تأباها النفوس الأبية وتنفر منها الطبيعة وطالما قبضوا على سفن أهل الإسلام وقتلوا من فيها وأذاقوه كأس الحمام.. ولم ينتج من هذه الحرب نتيجة تعود على مصر بالمنفعة، اللهم إلا أنها اكتسبت عدة من أصحاب الامتياز الوافر من أعيان الأعيان الأكابر من أهالي تلك الديار الرومية ممن هاجروا للديار المصرية، وبها قام وأدى الخدمة الصادقة ونال علو الرتبة والمقام من هذا الجنس الرومي من تناسل بالقطر وعد من أبناء الوطن العظام".

وكذلك فقد استضافت الدول العربية اللاجئين الأرمن حتى أصبحوا مواطنين فيها وهم الفارين من عنف حكومة "الاتحاد والترقي" العلمانية التركية رغم أن الأرمن كلهم كانوا من المسيحيين دون ضجر أو تضجر أو حديث أن استقبال هؤلاء اللاجئين سيهدد هوية هذه البلاد ولم تكن هناك أدنى ممانعة على توطينيهم في دول المشرق. وأما اليهود فقد قبلت بهم الدولة العثمانية كلاجئين لديها عند فرارهم من محاكم التفتيش الإسبانية بينما كانت الدول الأوربية تضهدهم، وحتى من يقبل بهم كملك فرنسا طلب منهم أن يكونوا مسيحيين صالحين ليقبل بهم هم والموريسكيين.
 

ألا يتابع السيد باسم يوسف النقاشات الحامية التي تدور في الانتخابات الفرنسية والتي يتبارى فيها المرشحون على إظهار كرههم للإسلام واللاجئين؟!

و رغم تورط بعض الأقباط في جريمة موالاة الاحتلال الفرنسي وانخراطهم في جيش يعقوب الخائن فإن المسلمين لم يحملوهم مسؤولية ما حدث واعتبروا أن من تبع يعقوب كما يقول الجبرتي ما هم إلا بعض "أراذل القبط"، حتى السودان الذي انفصل جنوبها بمليء إرادته بحجة الاضطهاد سرعان ما عاد اللاجئون منه بأعداد كبيرة تجاهه بعد انفجار الحرب الأهلية واستقبلهم السودان، رغم أن أغلبهم ليسوا مسلمين وأغلب الأعظم صوت للانفصال في 2011م، لكنها سماحة المسلمين التي لا تجدها عند غيرهم.
 

ألا يتابع السيد باسم يوسف النقاشات الحامية التي تدور في الانتخابات الفرنسية والتي يتبارى فيها المرشحون على إظهار كرههم للإسلام واللاجئين؟! ألم يسمع بتصريح فرانسوا فيون مرشح الانتخابات الفرنسية الذي يعد ناخبيه بفرض ضرائب على الأطعمة الحلال وإجبار المحلات الإسلامية على بيع الخمور ولحم الخنزير تطبيقا لتعاليم العلمانية السمحة والمتحدث هنا هو مرشح اليمين المعتدل أم مرشحة اليمين المتطرف؟! فتقول أسوء من ذلك وتتكلم عن نزع جنسيات وطرد من لا يقبلون بالثقافة الفرنسية من المسلمين.
 

سؤال للسيد باسم: "هو في مرشح للتيار الإسلامي قبل هذا يا سيد باسم طرح منع دخول أتباع الديانة المسيحية لأي دولة إسلامية أو فكر في ذلك، وهل في شخص طالب بنزع الجنسية عن كل مواطن مسلم أو مسيحي لأنه لا يتفق مع الثقافة العربية الإسلامية السائدة في البلد؟!".
 

ضربت مثالا بفرنسا لعلمانيتها، ولكن هناك أمثلة عديدة مثل كندا مثلا -قبل جاستن توردو- والتي لم تكن تقبل من اللاجئين السوريين سوى المسيحيين فقط وكذلك المجر التي كانت شرطتها تضرب اللاجئين بكل قسوة رغم أنهم لا يريدون سوى المرور منها إلى ألمانيا بحجة الخوف من الغزو الإسلامي.
 

أنت يا باسم تنافق بكلامك الرجل الأبيض العنصري وآخر خدمة "اليانكي" علقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.