شعار قسم مدونات

الاغتيال الاشعاعي

إشعاع
القاتل الصامت! قنبلة بدون انفجار، موت بدون أثار للدماء… السلاح الاشعاعي. قد تستنشق الهواء في إحدى الممرات أو تشرب الماء أو كاسة القهوة في إحدى الحفلات أو المؤتمرات، قد تنهض صباحا ترش قليلا من العطر على ملابسك، قد يهدي أحدهم لك ساعه يد فاخرة، كل هذا وأكثر حيث تضع المادة المشعة للإطاحة بزعيم أو حاكم أو شخصية مهمة مستهدفة.


أصبحت الاغتيالات باستخدام الأسلحة النارية، أو تدبير الكمائن والانفجارات وإحداث الضجيج وخروج الدماء، اغتيالات من الطراز القديم التي راح زمانها مع التقدم العلمي في القرن الحالي. السلاح الاشعاعي له استخدامين: الاستخدام الأول لاغتيال الأفراد، والاستخدام الثاني للاغتيال الجماعي، وهذا الاستخدام هو اشد خطورة من الاستخدام الأول لأن المستهدف هنا قد يكون الآلاف من الناس، وسنستطرد كل استخدام وكيفية ذلك.

المادة المشعة الصلبة تضاف على مواد صناعة الملبوسات الشخصية، والمادة السائلة تدس في المشروبات، والمادة الغازية ترش في الهواء وفي الابنية المغلقة.

السلاح الاشعاعي يستخدم فيه النظائر المشعة التي تشع الطاقة الغير مرئية على شكل جسيمات الفا أو بيتا وعلى شكل أشعة جاما الأكثر خطورة على جسم الانسان. الإشعاع له عدة أشكال ولكن الأكثر حدوثا ثلاثة انبعاثات:

 الانبعاث الأول – "جسيمات ألفا"، وهذه الجسيمات عبارة عن كتلة مكونة من نيترونين وبروتونين لها سرعة عالية وطاقة عالية، ولكنها لا تشكل خطرا على جسم الإنسان لعدم قدرتها على اختراق الجلد بل إنها تعجز عن اختراق صفحة من الورق.

الانبعاث الثاني  "جسيمات بيتا"، وهي عبارة عن إلكترون سالب أو بزيترون "إلكترون موجب" وهذا النوع من الإشعاع لا يشكل خطرا مميتا لجسم الإنسان لكي يستحق أن يجازف بها لاستخدامها في الاغتيالات الفردية أو الجماعية.
 

الانبعاث الإشعاعي الثالث  "أشعة جاما" وهذه عبارة عن طيف من الطاقة التي لا تمتلك كتلة وقدرتها عالية على اختراق جسم الإنسان وإحداث أضرار بيولوجية مميتة على الجسم والأعضاء الحيوية، وهذا النوع ما يستحق المجازفة لاستخدامه لأنه يؤدي غلى الموت البطيء الفجائي، والإخلال بوظيفة الأعضاء الحيوية في جسم الانسان.

هل تريد موت الضحية خلال أيام، أو شهور، أو ربما خلال سنين؟ هل تريد القاتل مغلف في سيجارة، أم في زجاجة عطر؟ هل تريد الموت فجائي أم خلال فترات سريرية؟

يكون شكل المادة المشعة على شكل غاز، كنظائر غاز "الرادون"، أو سائلة أو صلبة، كنظائر "البولونيوم"، وكلها تفي بالغرض، فالمادة الصلبة تضاف على مواد صناعة الملبوسات الشخصية، والمادة السائلة تدس في المشروبات، والمادة الغازية ترش في الهواء وفي الابنية المغلقة، وأكثر المواد المشعة خطرا هي النظائر التي تنتج أشعة جاما متفاوت الطاقة ومتفاوت عمر النصف.

فعمر النصف للنظير المشع هو: الزمن اللازم لكي تشع المادة نصف طاقتها، وتتراوح أعمار النصف من الدقائق إلى الساعات، إلى الأيام أو الشهور، أو عشرات ومئات السنين. وكما نشر المركز الياباني لأبحاث الطاقات الذرية، لمئات النظائر المشعة لأشعة جاما، التي تتراوح طاقة جاما فيها من واحد كيلو فولت إلى ال6 ميجا فولت، وهذه الوحدات تقاس بها الطاقة الذرية للجسيمات والإشعاع، والطاقة التي تشكل الخطورة على جسم الإنسان هي التي تكون فوق الميجا الكترون فولت.

كيف يتم الاغتيال السياسي؟ 
هل تريد موت الضحية خلال أيام، أو شهور، أو ربما خلال سنين؟ هل تريد القاتل مغلف في سيجارة، أم في زجاجة عطر؟ هل تريد الموت فجائي أم خلال فترات سريرية؟ من خلال المدة الزمنية التي يراد بها الموت للضحية تحدد المادة المشعة من عمرها النصفي الاشعاعي، والعمر النصفي البيولوجي. المادة المشعة تترسب في جسم الإنسان أو أحد الأعضاء الحيوية.

وقد تستخدم مواد صيدلانية تمزج مع المواد المشعة ليكون لها امتصاص معين في أحد الاعضاء الأكثر تأثيرا على العمل الحيوي في جسم الانسان، والزمن اللازم لكي يتخلص الجسم من نصف ترسبات المادة المشعة يسمى بالعمر النصفي البيلوجي، وكلما صعب على جسم الإنسان التخلص منها؛ كلما كان الضرر أكبر، كلما استخدم نظير مشع ذات طاقة أقل، والأمر كله بالمعايرة حسب الزمن اللازم للإجهاز على الهدف.

هناك حالات يشتبه بأنها اغتيلت إشعاعيا، أبرز مثال الشهيد ياسر عرفات، والزعيم الجزائري، هواري بومدين، وغيره من الزعامات التي ماتت إثر أمراض "الفجئه" أو التدهور الصحي اللاطبيعي الناتج من العدم.

عندما تضرب أشعة جاما الأعضاء الحية في جسم الإنسان تفقدها وظيفتها، وتعمل على تدمير العمليات الحيوية للخلية الحية؛ فتؤدي إلى موتها أو إلى التسبب لها بطفرات تؤدي إلى السرطان، ولا يظهر سبب المرض بفحوصات الدم، أو بالفحوصات الطبية التقليدية الأخرى، بل يكتشف ذلك إذا تم فحص المريض بالكواشف الإشعاعية، في حال كانت المادة المشعة ذات عمر نصف طويل، أما ذوات عمر النصف الصغير بالأيام؛ فتكون قد سببت الخلل البيولوجي، أو تسببت بالسرطان وغادرت جسم الإنسان.

فالسم وغيره من أدوات الاغتيالات الفردية ينكشف سريعا من فحص الطبيب الشرعي، وقد ينكشف سبب الموت، أما الإشعاع فقاتل صامت لا يرى له أثر. هناك حالات يشتبه بأنها اغتيلت إشعاعيا، أبرز مثال الشهيد ياسر عرفات، والزعيم الجزائري، هواري بومدين، وغيره من الزعامات التي ماتت إثر أمراض "الفجئه" أو التدهور الصحي اللاطبيعي الناتج من العدم.

فمثل هذه الأسلحة لا تنكشف بالطرق وأجهزة الفحص التقليدية، بل بحاجة إلى الكواشف الإشعاعية،  وكواشف المسح الإشعاعي صغيرة الحجم والمحمولة يدويا. وأجهزة الإنذار الإشعاعي التي تمسح الممرات والغرف المغلقة والأبنية والمطابخ، وفي حال وجود إحدى هذه المواد المشعة تصدر الكواشف الإنذارات للتحذير.

وباعتقادي فقد أصبح من الضرورة للحكومات المتقدمة أن تجد وتنشئ ضمن تشكيلات قواتها الأمنية أقساما مختصة للأمن الإشعاعي في المطارات والمنافذ البرية والبحرية، فالخطورة ليست على الأفراد فقط، بل على المجتمع أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.