شعار قسم مدونات

ماجي ماكدونيل.. أو صانعة الحياة

blogs - معلمة كندية
من أجمل ما يمكن أن يحصل عليه مربي أجيال بعد مسار مهني حافل بالتضحية والعطاء جائزة أفضل معلم في العالم، لما لهذه الأخيرة من شأن عظيم وقيمة شخصية رفيعة المستوى، فأن تتربع على عرش مهنة التدريس كأفضل معلم أو معلمة ليس بالأمر الهين، بل يتطلب نفسا طويلا ومجهودا خرافيا منقطع النظير. غير أن المدرسة الكندية السيدة ماجي ماكدونيل استطاعت بحنكتها ومثابرتها أن تحقق هذا الحلم الفريد وتفوز بجائزة أفضل معلمة في العالم لسنة 2017 في نسختها الثالثة عن جدارة واستحقاق، بعد أن وهبت حياتها في سبيل نشر رسالة التعليم النبيلة، ولم تثنها قسوة المناخ في أعالي القطب الشمالي الكندي من تأدية واجبها -وحلمها قبل كل شيء- على أكمل وجه.

لم تتحمل قط هذه الإنسانة المتواضعة سماع ما يروج في القطب الشمالي الكندي من حالات انتحار متكررة في صفوف الأطفال بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة وانعزالهم عن العالم، فآثرت إلا أن تكسّر حواجز المكان والإنسان وانتقلت للتدريس في مدرسة إيكو سيك وسط منطقة نائية متجمدة تصل فيها الحرارة إلى أكثر من 20 درجة مئوية تحت الصفر، حيث من الصعب جدا على أي رجل تعليم عادي أن يقبل التدريس في مثل هذه الظروف القاسية خصوصا وأن المنطقة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طائرة خاصة.

جائزة أفضل معلم أو معلمة في العالم والتي نُظمت ضمن فعاليات الدورة الخامسة من المنتدى العالمي للتعليم والمهارات في دبي تمنحها مؤسسة فاردي جيمس التعليمية لأولئك الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل إيصال شعلة العلم والمعرفة إلى كل مكان من كوكب الأرض متخطين بذلك كل العوائق الطبيعية والبشرية، وواضعين نصب أعينهم هدفا ساميا ألا وهو بث الأمل في قلوب أطفال يعيشون أوضاعا إنسانية مزرية ورسم البسمة على وجوههم البريئة.

تحية خاصة لنساء ورجال التعليم في الوطن العربي الذين لا يتوانون أبدا في نكران الذات وتقديم التضحيات الجسيمة في سبيل انتشال الإنسان العربي قدر المستطاع من براثن الجهل والأمية والأخذ بيده إلى بر الأمان.

حظيت ماجي ماكدونيل -أو صانعة الحياة- بتكريم رئيس الوزراء الكندي والأمير البريطاني هاري، وقال رائد الفضاء الفرنسي توماس بيسكيه: "أحببت أن أكون أول شخص في التاريخ يوجه التحية والشكر من الفضاء إلى كل المعلمين في العالم. وتهانينا لك يا ماجي". كما منحها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مليون دولار لقاء مجهوداتها الجبارة في إنارة عقول أطفال أيقنت تماما أنهم يستحقون بدورهم فرص التعلم أسوة بأقرانهم في مناطق أخرى أكثر حظا وازدهارا، حيث منحتهم كل الرعاية والاهتمام واقتربت أكثر من معاناتهم اليومية ومشاكلهم النفسية، فاستطاعت بذلك التأثير فيهم بشكل إيجابي وإخراجهم من دائرتهم المغلقة على مدى 6 سنوات كاملة، بفضل خبرتها وشخصيتها المبهرة وطرقها المبتكرَة في التعليم والمعاملة… إن مثل هؤلاء الأشخاص العظماء لا يقومون بهذه الأعمال الإنسانية الراقية حبا في الشهرة والمناصب أو حصدا للجوائز النقدية الثمينة بقدر ما يجدون في ذلك متعة لا يضاهيها مقابل وإحساسا عميقا بالإنسانية في زمن انعدم فيه الإحساس بالآخر.

الجدير بالذكر أن نفس الجائزة لسنة 2016 عادت للمعلمة الفلسطينية حنان الحروب متفوقة على نحو 8000 مشارك في المسابقة أغلبهم من دول يحظى فيها التعليم بمكانة محترمة جدا، ولعل هذه الجائزة القيمة للحروب انفردت بطعم خاص كونها انبثقت من رحم المعاناة بتحد كبير وبإصرار أكبر على فرض القضية الفلسطينية العادلة أمام أنظار العالم.

تحية خاصة لنساء ورجال التعليم في الوطن العربي الذين لا يقلون شأنا ورفعة عن المتوجة السيدة ماجي ماكدونيل، فأغلبهم يستحقون الجائزة ولو رمزيا لما يكابدونه من مشاق وصعاب في الصحاري والمرتفعات، ولا يتوانون أبدا في نكران الذات وتقديم التضحيات الجسيمة في سبيل انتشال الإنسان العربي قدر المستطاع من براثن الجهل والأمية والأخذ بيده إلى بر الأمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.