شعار قسم مدونات

عن خطاب الكراهية في وسائل الإعلام

blogs - الإعلام
يجب التأكيد أولا أنه لا يوجد مفهوم واضح لخطاب الكراهية، إذ يأخذ توصيفات عدة يمكن أن نجملها في العنف اللفظي المُتضمَّن في الخطاب الدوني، والكُره البيّن والتعصّب الفكري والتمييز العنصري والتجاوزات التعبيرية القدحية والنظرة الاستعلائية في الخطاب المصحوب بالإقصاء. وبالتالي يصبح الحديث عن خطاب الكراهية كظاهرة مجتمعية، بمثابة آفة انتشرت مع انتشار وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي بالخصوص.. وبالرجوع إلى القوانين المؤطرة لحرية الرأي والتعبير من خلال الترسانة القانونية دوليا، نجد أن خطاب الكراهية، وانطلاقا من التوصيف الذي قدمناه، صار يتخذ عدة أشكال تتجاوز القوانين، وبالتالي تصبح تلك التجاوزات في نظر البعض أمرا عاديا في إطار حرية الرأي والتعبير. بينما الحقيقة تؤكد أنها كراهية مُعبَّرٌ عنها بشتى الأوصاف والتعابير التي قد تصل إلى التجريح والقدح.

أصل الدّاء:
للكراهية أيضا أشكال نجدها مثلا في الإقصاء، فبمجرد أن نقصي طرفا أو وجهة نظر مُعارضة أو مُخالفة من الظهور ومن التعبير عن رأيها في وسائل إعلام عمومية، فإننا نكون بصدد توجيه خطاب إقصائي ضمني قد يولّد كراهية. قس على ذلك التعصب الفكري واللغوي والنظرة الاستعلائية في الخطاب الرسمي الذي يوصف على أنه الخطاب الوحيد الذي يملك الحقيقة! لذلك، فإن خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام لا يمكن حصره في اللفظ فقط، ولكن في باقي تصنيفات الكراهية التي قد لا تجد لها قوانين ردعية.

إن الاختلاف الحاصل في الحمولة الفكرية والثقافية، ليؤكد بجلاء تنامي ظاهرة خطاب الكراهية، بحيث أضحت تجد لها موطئ قدم في مختلف وسائل الإعلام. وبتتبعنا للقاموس اللفظي المستعمل، نجد أن خطاب التعصب صار "ثقافة"، بل والأنكى من ذلك، بتنا أمام كراهية مباشرة من خلال اعتداء جسدي مورس في غير ما مرة مباشرة في برامج على بعض الفضائيات. وبالتالي فإن الخطاب الإقصائي أصبح يشكل تعبيرا للعديد من الفئات الاجتماعية بمختلف ميولاتها وتوجهاتها الإيديولوجية، وصار المجتمع غالبا ما ينحو صوب تربية يغذيها الإعلام أولا، ثم التعليم ثانيا فالظواهر الاجتماعية ثالثا.

باتت الديمقراطية العربية في خضم الأحداث الجارية وما يصاحبها من خطاب سياسي واجتماعي مُحرّض، عملية صورية بالمعنى الصحيح للكلمة، وأداة يستخدمها السياسي.

لا شك أن الإقصاء الممنهج يشكل العنصر الأساس في تنامي خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام، والتركيز على الخطاب الأُحادي الجانب يزيد من تأجيج لغة الخطاب التي تشكل أداة التواصل. وبالتالي فإن الحوار الذي يُميّز أو يُفرّق بين المؤيد والمعارض، يُصبح خطاب كراهية قد يصل إلى درجة التعصب، الأمر الذي ينعكس سلبا على المجتمع ويصبح ظاهرة اجتماعية وسياسية تزيد في تعميقها العملية التواصلية التي تُحدث شرخا بين المتحدثين. بل وتساهم في إظهار كراهية بين الفرقاء قد تصل درجة التحريض باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة إعلامية متاحة للجميع.

دور وسائل الإعلام:
من الواضح أن الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال كفضاء مفتوح، صار ملاذا لممارسة شتى أشكال التمييز وإنتاج خطاب الكراهية، ما يستثمره الفاعل السياسي بالدرجة الأولى، وهو ما نلاحظه أيضا من خلال دراسة للمحتوى العربي على شبكة الإنترنت، سواء تعلق الأمر بصحافة المواطن أو التدوين القصير من داخل مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يلعب التشبيك دورا أساسيا في انتشار خطاب الكراهية بمختلف أنماط العنف، المادية منها والرمزية أو الخطابية اللفظية. لهذا وجب ترسيخ ثقافة الحوار والقبول بالرأي المخالف في إعلامنا، الأمر الذي سيصبح معه التسامح كمبدأ مجتمعي يساعد على تطوير المفاهيم والأطروحات الفكرية، وبالتالي نبذ العنف المؤدي إلى الكراهية.

لأجل ذلك، نجد أنفسنا أمام عدة أسئلة مطروحة في حديثنا عن الإعلام ودوره في إنتاج ونشر خطاب الكراهية، ويجدر بنا الإجابة بكل وضوح ومسؤولية عن مدى توفر المهنية الإعلامية التي تحترم الأخلاقيات، وعن حدود الحرية والمسؤولية السياسية والاجتماعية، وعن التربية والتوعية الإعلامية، ومدى قبول الرأي والرأي الآخر مادامت قيم التسامح في مجتمعنا العربي عموما، باتت تشكل خطرا اجتماعيا. الأمر الذي صار ينتشر يوما بعد يوم في العديد من وسائل الإعلام المنحازة لمختلف أطراف النزاع.

على الإعلام أن ينتبه إلى شكل الخطاب المستعمل الذي يحتوي على الأفكار العدوانية التي تحرض على العنف والكراهية.

لا جدال أن خطاب الكراهية في مختلف وسائل الإعلام العربية تَشعّب أكثر، وأصبح يهدّد السلم والأمان وسط المجتمع العربي، بل صار أداة للتحريض في غياب للضوابط القانونية والإعلامية، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول الوظائف التقليدية للإعلام من إخبار وتوعية وتثقيف وتعليم وترفيه. وباتت الديمقراطية العربية في خضم الأحداث الجارية وما يصاحبها من خطاب سياسي واجتماعي مُحرّض، عملية صورية بالمعنى الصحيح للكلمة، وأداة يستخدمها السياسي لضرب كل من يعارضه وجهات النظر، وهو ما يصطلح عليه بالعنف المصاحب لعمليات الانتقال السياسي في الوطن العربي. ويبقى لخطاب الكراهية في المحتوى الذي ينتجه الجمهور على شبكات الإعلام الاجتماعي، الأثر السلبي في العملية التواصلية برمتها، خصوصا خطاب الكراهية بالصورة والفيديو لسهولة قراءتها ومشاهدتها، إضافة إلى التعليقات الجارحة وانعدام الوعي بسبب الغياب الحاصل في منظومة القيم.

خطاب الكراهية والقانون الدولي:
الملاحظ أن القانون الدولي يحمي حرية الحديث، ويتطلب حظر التعبير الذي يُحرّض على التمييز أو الأعمال العدائية أو العنف.
فقد شددت المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، على أن تشجب الدول الأطراف جميع أشكال الدعاية والتنظيمات القائمة علي الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري.

صارت الدعوة لتفعيل القوانين الرادعة لخطاب الكراهية، أمرا مُلحّا أمام تنامي ظاهرة العنف المادي والمعنوي، وأمام عدم الالتزام بمبدأ حرية الرأي والتعبير.

وبالرجوع إلى المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، نلاحظ أنه قد تم من خلالهما تحديد المعايير الدولية بشأن مسألة خطاب الكراهية، بل وحددا الحق في حرية التعبير التي تشمل الحرية في التماس المعلومات وتلقيها ونقلها، والتماس الأفكار من جميع الأنواع، بصرف النظر عن الحدود. وأكدت المادة 19 احترام حقوق الآخرين واحترام سمعتهم. في حين حظرت المادة 20 أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. كما أوصت منظمة المادة 19 كذلك بأن يتم النظر في مجموعة من الإجراءات والعقوبات المدنية والإدارية، وحينما يتعلق الأمر بالحالات شديدة الخطورة يمكن اللجوء إلى فرض العقوبات الجنائية.

على الإعلام أن ينتبه إلى شكل الخطاب المستعمل الذي يحتوي على الأفكار العدوانية التي تحرض على العنف والكراهية، كما أنه على الإعلامي تبني الحيادية والابتعاد عن كل ما من شأنه خلق توترات بين أطراف المجتمع المتحاورة.

لذلك صارت الدعوة لتفعيل القوانين الرادعة لخطاب الكراهية، أمرا مُلحّا أمام تنامي ظاهرة العنف المادي والمعنوي، وأمام عدم الالتزام بمبدأ حرية الرأي والتعبير باستحضار تام للمسؤولية، علَّ ذلك يؤدي إلى الانفتاح وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف وقَبول الآخر في إطار إيجاد خطاب فكري إعلامي معتدل وسطي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.