شعار قسم مدونات

العنف في صحيح البخاري.. من "الإسلامفوبيا" إلى "الأكشنفوبيا".

blogs-weapon
كثر الجدل في الأيام الأخيرة حول القيم التي تنقلها كتب أبدى حولها الكثيرمن المتابعين والفاعلين السياسيين والجمعويين تخوفا حقيقيا مريبا، نظرا لما يدعون أنها تشحن القارئ بمجموعة من القيم التي تتنافى والمجتمع الحديث، مجتمع التعايش والتسامح والاختلاف، المجتمع البعيد عن العنف والكراهية والتعصب، فأدلى الكثيرون بدلوهم في الموضوع واجتهدوا في النبش فيه بشكل زائد عن الحد، حتى ليخيل اليك أن مجتمعنا لم يعد يفسد عليه حياة الحب والسلام إلا هذا الكتاب (صحيح البخاري)، ولكن لو انتبهنا قليلا إلى حياتنا اليومية وفتحنا أعيننا بشكل كاف.. لوجدنا أن العنف أقرب إلينا من حبل الوريد، ولو جاز لقلت إنه أُريدَ لنا أن نعيشه لسبب أو لآخر.

 (..صوت منشار كهربائي يليه صراخ ضحية بريئة، ثم تظهر الكاميرا شلال دم يغير طلاء الغرفة إلى الأحمر)، والأخطر من ذلك كله أن الأمر يصير مدعاة للإثارة والترفيه وليس للاشمئزاز!

عند أول ضغطة زر على جهاز التحكم تعترضك آلاف الصور والمشاهد المفزعة المليئة بالدم والضرب والجرح والقتل، بآلات مختلفة: حادة أو قبضات الأيدي أو سكاكين وخناجر، بل كذلك بالمسدسات والبنادق وغيرها، لنجد أنفسنا أمام هذا الأمر الواقع الذي غدا مسلما به، لا متعة إلا متعة الضرب، ولا ترفيه يبتعد عن اللون القاتم للدماء.

والطفل منذ ولادته يتعرض لغسل دماغ وبرمجة لاواعيه على هذه المشاهد، بل تواكب نموه وتطوره، فمن العنف في أفلام الكرتون والصراع الدائم بين شخصياته، إلى الأفلام السينمائية التي تكمل معه المشوار وترعى ما زرع فيه من عنف وحب للدماء، وضخ لسموم الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام والقتل. حتى يتحول إلى إنسان سادي لا يخلق متعته ولا يجدها إلا في العنف.

فهل يصعب التمييز بين الأخطر والأجدر بالتنبيه إليه؟ هل الإعلام وترسانته الكبيرة من الأفلام العنيفة واللقطات الخطيرة والترفيه المشوه المشبوه، أم كتاب في زمن لم يعد أحد يقرأ فيه. وهل يمكننا أن نغمض أعيننا عن التحريض المباشر على العنف والتربية عليه منذ الصغر في هذه الأفلام، ونلتفت إلى ما هو أدنى؟

وهنا سأحاول تصوير مشهد خيالي تقريبي لفيلم معين يحاكي ما نشاهده يوميا: (تنطلق المؤثرات الصوتية بموسيقى تهيج الإحساس ثم صوت تلقيم مسدس يتبعه تفجير رصاصة داخل رأس أحدهم، فتتطاير شظايا الدماغ مختلطة بالدم في الأجواء) وإليك مثالاً ثانيا: ( ..صوت منشار كهربائي يليه صراخ ضحية بريئة ثم تظهر الكاميرا شلال دم يغير طلاء الغرفة إلى الأحمر) والأخطر من ذلك كله أن الأمر يصير مدعاة للإثارة والترفيه وليس للاشمئزاز.

أليست وسائل الإعلام موجها رئيسيا في مجتمعنا الحديث؟ ألا ينبغي أن نفكر في حظر الأفلام التي تنقل وتتضمن مشاهد العنف والكراهية والدماء؟ ولماذا نلتفت إلى كتاب البخاري؟

وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: من له مصلحة في تحويل الإنسان إلى آلة قتل؟ وهل الإعلام السمعي البصري وشركات الإنتاج والقنوات لا رادع لها ولا خط تحريري ولا قوانين تحرم عليهم بث مثل هذه المشاهد؟ أم أن المشاهد هو من يختار لنفسه ما يريد وهو حر في ذلك؟ أم إنه فاقد للقدرة على الاختيار لأنه تربى على ذلك منذ الصغر وزرع فيه حب العنف؟ ولنعد إلى السؤال الأول حول الأخطر والأجدر بالتنبيه إليه والخوف منه، هل الإعلام الذي يربي أجيالا متعاقبة على العنف والقتل ويسيطر على جمهور عريض جدا إن لم نقل العالم بأكمله، أم كتاب الإمام البخاري في زمن لم يعد أحد يهتم فيه بالقراءة؟

ويجرنا الحديث لنسأل السؤال البريء التالي: أليست وسائل الإعلام موجها رئيسيا في مجتمعنا الحديث؟ ألا ينبغي أن نفكر في حظر الأفلام التي تنقل وتتضمن مشاهد العنف والكراهية والدماء؟ ولماذا نلتفت إلى كتاب البخاري ونغمض أعيننا عن العنف الصريح بالصوت والصورة المتسرب إلى أعماق النفسية فيتغلغل فيها، والذي يستهدف الناشئة والمراهقين الذين لا يميزون بين الصالح والطالح؟ فتنمو لديهم رغبة التقليد والمحاكاة، أم إن الأمر يدخل فقط في دائرة الخوف من الإسلام (الإسلامفوبيا) ويخرج عن دائرة "الأكشنفوبيا"؟ وبذلك نحكم بأن محركه إيديولوجي محض، وليس رفضا للعنف بحد ذاته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.