شعار قسم مدونات

استدعاء على طاولة الهلال

blogs - Crescent

هذا استدعاء على طاولة الهلال..
سيدي مفتاح الشهور ومالك الشعور.. اسمح لنا أن نقدّم لك عريضة باسم كل الموجوعين في هذا الوطن الكبير، فنحن "المدمعون" أدناه.. "نحن الموقّعون" أدناه.. نطالب فخامة الهلال وجلالة ملك العتمة أن يؤجّل لنا العيد ردحاً من الأمل.. على أن ننهي صيامنا مع غروب هذا اليوم ونؤجل العيد إلى إشعار آخر وذلك لأسباب خارجة عن إرادة الفرح.. فهل هذا ممكن يا سيد الضوء وظفر الليل الذهبي؟.. إن كان ذلك ممكنا.. أرجو أن تتفضّلوا بقبول فائق الاحتراق..

سيدي الهلال..
كانت ليلة العيد تورق فرحاً من أغصان طفولتنا، كان إبريق قهوتنا ينفث بخاراً وهيلاً فيعطر المساءات القصيرة، في اليوم الأخير يجرّ رمضان خيوط عباءته من حاراتنا ويغادر ككل الفرسان النبلاء، لم يدع حزناً في بيت أو بؤساً في قلب طري.. كان رمضان حنوناً مثل كل الطيبين في زمنه.. وليلة العيد، تشبه تلك الزخة التي تغسل أوراق الشجر، تنعشنا تجدّنا تفرحنا، في ليلة العيد كانت أمي تشقّ نافذة المطبخ قليلاً بعيد الغروب ليجفف الهواء الطري عرقها الندي..

في العيد نحضن أولادنا، نعايدهم، نرتّب ملابسهم، تتباهى بهم أمام الضيوف، نمرجحهم بين أذرعنا.. لكن "عمران دقنيش" الطفل السوري الذي أبكى العالم.. من سيحضنه؟؟ ويعايده؟ ويرتّب ملابسه؟؟ ويباهي به الضيوف؟؟

كان لنا ثياب تحت الوسادة نتخيّلها على أجسادنا بعد ساعات، وكان لنا عمر تحت وسادة الغيب نلهث حتى نرتدي أيامه الجديدة على قوام السنوات، كان معجن الخبز يشبه بطن السماء مزيّن بالسمسم والقزحة نجوم وكواكب مطفأة، قالب الخبز المعلق على جدار المطبخ القديم مثل جرس المعبد، صحن الزيت الأخضر يتهيأ لإفطاره الصباحي، وسيجارة أبي تشتعل وتقصرُ بمتعة بين شفتيه تماماً مثل أعمارنا.. كل النقوش الجميلة.. تضاءلت وتراجعت وغابت وتقاعدت ورحلت.. فرحل العيد.. أعرفت الآن لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي؟..

سيدي الهلال..
العيد مفهوم كبير، مثل الحب مثل الوطن مثل الحياة مثل الأم مثل الأب بل هو مزيج بين كل مما ذكر لا نستطيع أن نستقبل العيد من غير حب أو وطن أو حياة أو أبوين.. لا نستطيع أن نرتدي قمصان الفرح وقميص يوسف العربي لم يفلح بأن يرد للوطن الكبير بصره وبصيرته، لقد أكل الذئب كل عروبتنا يا سيدي وما زلنا نرتع ونلعب.. نحن عتمة الجبّ يا سيدي وما لم نصرخ بملء أصواتنا لن تلتفت إلينا بعض السيارة.. أعرفت الآن لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي؟..

سيدي الهلال..
ليس للعيد معنى.. وأطفال اليمن لا يحلمون ككل أطفال الدنيا بثياب جديدة، ولا بأساور ذهب أو قلائد ملوّنة.. هم يحلمون فقط أن يخلعوا ثياب المستشفى الخضراء وقبعات العمليات، وأن يريّحوا معاصمهم الرقيقة من الأساور الطبية الضيقة وأنابيب التنفس بعد أن أنهكتهم الكوليرا وأضعفت أجسادهم فيروسات الحروب.. هل عرفت ألان لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي!!

سيدي الهلال..
في العيد نحضن أولادنا، نعايدهم، نرتّب ملابسهم، نحاول أن يكونوا أجمل أجمل أطفال في الدنيا، تتباهى بهم أمام الضيوف، نمرجحهم بين أذرعنا.. لكن "عمران دقنيش" الطفل السوري الذي أبكى العالم.. من سيحضنه؟؟ ويعايده؟ ويرتّب ملابسه؟؟ ويباهي به الضيوف؟؟ من سيمرجحه بين ذراعيه أو يمسح عينيه النازفتين ذات انفجار.. أعرفت الآن لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي؟..

أعطنا مهلة يا سيدي هلال العيد سنة أو سنتين عقداً أو عقدين، أخفض لنا وهج سراجك يا "دومري" الكواكب.. علنا ننجح في ترتيب القلوب مرة.. وتذوب بعباءتك كل المذاهب..

سيدي الهلال..
في العيد يفرح الأولاد بأحذيتهم الجديدة، يمسحون مقدماتها بأيديهم إذا ما لامسها الغبار أو تشوّه بياضها اللامع، يطقطقون بها بين ممرات البيوت وعلى بلاط الغرف المكشوفة ليلفتوا الانتباه إلى جمال الحذاء.. لكن "عبد الباسط سطوّف" لا يستطيع أن يفعل مثلهم.. لن يحسّ بحذائه الجديد، ولن يكترث بالغبار الزائر فوق المقدمة، ولن يطقطق به بين ممرات البيوت ولا على بلاط الغرف المكشوفة.. عبد الباسط سيصرّ على عبارته الأولى "يا بابا شيلني" أتعرف لماذا يا سيدي العيد؟..لأن عبد الباسط فقد ساقيه عند تزاحم البساطير!!.. أعرفت الآن لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي؟

سيدي الهلال..
كانت "بلاد العرب أوطاني تبكينا"، و"موطني تبكينا" و"وطني حبيبي" تبكينا.. كانت الأوطان يوحّدها الغناء والمعارك والمصير والدماء.. صارت يفرقها الغوغاء والمواقف والمصالح والهجاء.. في العيد يا سيدي الهلال كانت كل المناظير ترحل إليك ترتفع لتراك وتنال رضاك.. صارت كل المناظير ترتفع على القمر الأمريكي المناوب تستجدي هواه وتطلب رضاه…أعرفت لماذا نطالب بتأجيل العيد يا سيدي..؟

وبناء عليه.. أعطنا مهلة يا سيدي سنة أو سنتين عقداً أو عقدين، أخفض لنا وهج سراجك يا "دومري" الكواكب.. علنا ننجح في ترتيب القلوب مرة.. وتذوب بعباءتك كل المذاهب..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.