شعار قسم مدونات

فلسفة التطوع

blogs - charity
(1) – التطوع جهد وعمل يمارسه شخصٌ ماديّ أو معنويّ، أو مجموعة من الأشخاص، بدافع وإرادة، وبمبادرة منظمة أو فردية لأجل تقديم خدماتٍ مادية أو معنوية للناس والمجتمع، عطاءً للآخرين ومساعدة للمحتاج والمعدوم، ومدًّا ليد العون لكل المجتمع، سعيا في تطويره، وتنمية مستوى عيش أفراده. وهو بذل غير مشروط، وعمل لا ربحي.

(2) – يعتبر التطوع أساسا مرجعيا مهما في فلسفة التغيير، وقواعد التطور، وخطط التنمية من كل جوانبها، لهذا فإن نجاعة فكرة التطوع وفاعليتها تكمن في بناء المجتمعات وتطويرها، وبهذا -وبغيره- يقاس تقدّمها. نعم، إن قياس عدد وفاعلية الجمعيّات التطوعية التي يقوم المواطنون بإنشائها بإرادتهم التلقائية خارج الحكومة والسلطة، لتعتبر خير تجلٍّ من تجليات قوة المجتمع وحيويته.

(3) – التطوع قناعة وإرادة بالدرجة الأولى، همّ وحرقةٌ صدريّة، تدفع المتطوع كي يتعرف إلى هموم مجتمعه، مساهما بجهده ووقته وماله، باذلا عصارة فكره ومعلوماته في سبيل وطنه، وفي سبيل انتمائه، وقبله وبعده في سبيل ربّه. تحمله بواعثه النبيلة على فتح أبوابه المؤصدة، وإضاءة أقبيته المظلمة، متواصلا ثم مستكشفا الأمراض والأزمات والآفات التي تكاد ترديه، التي تعد حواجز وموانع في مسار النمو، لاتزال رابضة في زوايا الإهمال وعدم المسؤولية.

الشرعة المحمديّة تضفي على الفاعل والفعل صبغةَ الإيمان والإحسان، وتجعله متجردا من الأنانية والفردانية، سالكًا درب التآزر والتضامن والتضحية، والبذل، ومحبة الخير للغير.

(4) – التطوع معنًى مستوحى من فطرة الإنسان، ومن الطبيعة الخيّرة فيه، بله من الشعور بالانتماء للنوع البشري والانتساب للرحم الإنسانية الجامعة. بهذا يظهر جليّا أن الدراسات التي قرنت نشأة العمل التطوعي وتطوره بالحركة التنويرية الغربية، دراسات مصادمة للتاريخ والواقع، فالتطوع تجربة إنسانية ظهرت إلى الوجود مع ظهور الإنسان. يقول مايكل إدواردز: " فالعمل الجمعي، في بحثه عن المجتمع الصالح، هو جزء عالمي من التجربة الإنسانية، مع أنه يتجلى بطرائق شتّى لا حصر لها عبر الزمان والمكان والثقافة ".

(5) – فإذا كان العمل التطوعي فطرة إنسانية، وفعلا بشريا مطلقًا، لزم أن تكون أجرأتُه خارج حدود القناعات الأيديولوجية والانتماءات السياسية الضيقة، مصداقا للرحمة العالمية، والرسالة الكونية المتاحة من الشّرعة النبوية. واقتضى كل ذلك استقلاليته في العمل، وحفاظه على الجذور الاجتماعية التي خرجت منها التجربة، ورفضِ المساومة على المبادئ، ضمانًا لاستمرار رساليّته ونجاعة فعله، وتأكيدًا لشرعيّته.

(6) – الشرعة المحمديّة تضفي على الفاعل والفعل صبغةَ الإيمان والإحسان، وتجعله متجردا من الأنانية والفردانية، سالكًا درب التآزر والتضامن والتضحية، والبذل، ومحبة الخير للغير. فالتطوع في الإسلام مرتبط بنبض الإيمان، وبالرحمة القلبية، وبالثواب الأخروي. حتى إذا انبعث من النفس هذا التكافل الاجتماعي واستند إلى الضمير الجمعيّ الرباني، كان أجدى على المجتمع من تكافل تفرضه قوة القانون قد يوجد في النفس ما يبرر مخالفته. فيتسامى التطوع آنئذ بكافة أشكاله عن العوض الماديّ البخس، وتقوم مقامه تلك المُسحة من الرضا الباطني.

(7) – "يد الله مع الجماعة"
أكدت الدراسات الميدانية أن العمل التطوعي الجماعي قوة فعلية في الواقع، وتأثيره واسع الأثر، إذ تجتمع الطاقات، وتتوحد الجهود، وتوزّع المهام، ويستفيد كل واحد من تجارب الآخر من أجل بناء التصورات والمشاريع المشتركة بغية إنجاز أعمال جبّارة لايستطيع الفرد بأي شكل من الأشكال القيام بها، لأن حجم الصعوبات ودرجة تجذّرها يفوق بكثير إمكاناته المحدودة، وإن كانَ عطاؤه خارقًا، ما دامَ مستنكفًا عن حكمة العمل الجماعي المؤطر والمنظم. وهذا كله ليس بدعًا من الفعل في ديننا، بل له أصول ويتكئ على شرعيّة. قال عليه السلام: " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أُدعى به في الإسلام لأجبتُ ".

(8) – من وحي التجارب

التطوع معنًى مستوحى من فطرة الإنسان، ومن الطبيعة الخيّرة فيه، بله من الشعور بالانتماء للنوع البشري والانتساب للرحم الإنسانية الجامعة.

يظل التواجد القانوني للمؤسسات الخيرية الذي يُبرم معه علانية العمل الميداني أمرًا غاية في الأهمية، يؤسس لتواجد معنويّ وازن في المجتمع، ويضفي على المؤسسة التطوعية شرعية مجتمعية في تفاعلها مع أجهزة الدولة، ومع كل عناصر المجتمع المدني، الشخصية منها والمعنوية.

(9) – مرتكزاتُ التطوع الستُّ
1 – النية
2 – الإرادة
3 – المبادرة
4  – نشاط غير ربحي
5 – جهد وعمل
6 – عمل منظم

(10) – يُحكى أنّ رجلا مرّ على متشرد بئيس، فرثى لحاله وقال: "إلهي، لمَ لا تنظر إلى حال مثل هؤلاء؟"، فرد عليه المتشرد قائلا: "بلى، لقد فعلَ، ولذلك خلقك !".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.