شعار قسم مدونات

مصارع برتبة رئيس

blogs - ترمب أمام العلم الأميركي
لن تحتاج إلى وقت طويل لتفهم كيف يفكّر رئيس أقوى دولة في العالم هذا إذا اتفقنا أنه (يفكّر) فعلاً، كل ما عليك أن ترى ذلك المقطع الذي نشره على حسابه مفتخراً بأرشيفه المتخم بالعنف وهو يدور حول حلبة مصارعة ويطرح رجلاً أرضاَ بعد أن استعان بــ"الفوتوشوب" ووضع شعار شبكة "CNN" بدلاً من رأس ذلك الصريع المجهول وبدأ يوجه اللكمات المتتالية فوق رأس المحطة الافتراضي ثم قام منتشياً.

إنه ترمب حيث نشأ وكبر وترعرع حول حلبات المصارعة هناك، لن يستطيع أن يصبح رجل الدبلوماسية الأول أو الرئيس الحكيم بين يوم وليلة، إنه يدير الولايات المتحدة بنفس عقلية متعهّد "جولات الملاكمة"، من يخلف عهده معنا أو يحاول أن يصبح بطلاً في غير الوقت والجولة والفقرة المخصصة له من قبل مخرج الصالة.. سينال ما ناله ذلك الرجل المجهول الذي شفعت له خصومة الرئيس ترمب وتقمّصت (CNN) دوره فسترت عليه وهو يأكل الضربات المتتالية.
 

لا تعتقدوا أن الرجوع المبالغ فيه في بعض القرارات على أنه تراجع، على العكس إنه حشد وتعبئة لتنطلق القوة المضاعفة فتحسم الجولة بأسرع من المتوقع، هكذا يفكّر كل نجوم المصارعة الأمريكية.

على أية حال ذلك المقطع لن يكون الأخير في جعبة ترمب، ولن يكون التعبير الأوحد عن لسانه فيما يتمنى فعله بأعدائه، لا بدّ أنه يحتفظ بمقاطع أخرى تشفي غليل الانتقام المكبوت لديه، شخصياً ما زلت أذكر مقطع فيديو آخر انتشر أثناء ترشّحه يظهر فيه ممسكاً بماكنة حلاقة ويقص شعر خصمه عنوة وهو يقهقه منتقماً أمام الجماهير، وكم أتمنى ألا تتسع حلقات خيال هذا الرجل الأحمر (يجوز قراءتها بالراء والقاف) فيستبدل ذلك الرأس (المحلوق له) بأي شقيق عربي قادم، فــ" الفوتوشوب" على ما يبدو هوايته وغوايته وكل البرامج تطيعه في القص واللصق متى يشاء وأنّى يشاء، ما عليه سوى إلصاق "رأس الخصم" الجديد على مقاطع من أرشيفه "المصارعاتي" حتى يكسب الجولة ولو في مواقع التواصل الاجتماعي.

إنه مصارع برتبة رئيس، لم يفكّر على الإطلاق كيف يردّ على شبكات التلفزة التي تنتقد أداءه بنفس الطريقة وبالحجة أو بالتوضيح والإفحام والأدلة، بل قفز إلى أن يطرحها أرضاَ ويرد بالركل والضرب – ارجعوا إلى أرشيف اليوتيوب وابحثوا عن لقائه برئيس الجبل الأسود في قمة الناتو ببروكسل كيف شدّه إلى الخلف بعنف يخلو من اللباقة ووقف مكانه ليكون الأبرز في الصورة التذكارية – هذه عقلية المصارع لا يحب من يسبقه إلى منصات التتويج، حتى طريقة تعبيره عن المنافسة والتحدّي اكتسبها من أولئك العراة الذين يرجعون إلى حبال الحلبة كثيراً يشدونها بأجسادهم الثقيلة حتى تدفعهم بقوة مضاعفة نحو الخصم فتسقطه وتكسر عموده الفقري، لذا لا تعتقدوا أن الرجوع المبالغ فيه في بعض القرارات على أنه تراجع، على العكس إنه حشد وتعبئة لتنطلق القوة المضاعفة فتحسم الجولة بأسرع من المتوقع، هكذا يفكّر كل نجوم المصارعة الأمريكية التي كنّا نتابعها عبر شاشة التلفاز في الثمانينيات ولم نكن نعرف أنها ستتكرر بصورة أعنف وأوسع، حيث ستقفز من الشاشة إلى الأوطان…

وأن دورنا لن يقف عن المتابعة وإقفال الجهاز.. حيث سيكون بعضنا الخصم دونما إرادة أو رغبة أو استعداداً للمواجهة، وعندها لن يوقف الضرب والركل والدماء مفتاح الإقفال أو "الريموت كونترول".. بينما يفضل البعض الآخر الهروب من المواجه وتقمص دور الحسناوات اللاتي يرتدين الثياب القصيرة اللامعة ويقمن بحمل المناشف لتنشيف ظهر وبطن المصارع بين الجولات.. وفي الحالتين من الصعب البحث عن انتصار أو ثأر للكرامة..

علينا أن نفهم أن الجو العام في هذا العالم جوّ "حلبة" وعلينا أن نختار مصيرنا في لغة العضلات المفتولة، ما يدور تحت سقف هذا العالم من مصالح وتعهد جولات وجائزة كبرى، يعني أن أحدا لن يرحم الآخر في المبارزة.. لكن أكثر ما يطمئننا أن نهاية المصارعين عادة ما تكون واحدة من اثنتين إما طعنة من الخلف تأتيه من أحد الخصوم العائدين من الاستشفاء في الوقت المستقطع، وإما أنه يسقط أرضاَ بعد أن يتناول جرعة زائدة "من الثقة" فيموت بها فيريح ويستريح!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.