ها هو الربيع الديمقراطي بعد ولوجه أفريقيا حط رحاله في بيئتنا العربية المغاربية في القرن الواحد والعشرين فمن جهة قد سعى الربيع الديمقراطي إلى إحياء سنة تاريخية واسترجاع مجموعة من القيم كقيم العزة والكرامة والإنسانية. |
ما يهمنا نحن هو بداية هجرة الأوطان والشعوب نحو الحرية السياسية، أي شوق الشعوب في استرجاع ملكيتها بعد الانحطاط التي عانت منه لعقود من الزمن، والتي جعلت منها بلدانا ثالثية راكدة سياسيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا، ثم محاولة استرجاع القرار السياسي في بلدانها بعد احتكار السياسة من طرف الحكام أو كما يعتبرها الفيلسوف كارل ماركس احتكار من طرف الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج لكونها لوبي ضاغط على الاقتصاد والسياسة معا.
ويمكن اعتبار الربيع الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي محطة قديمة منذ ظهور الدولة والتنظيمات السياسية، إذ يناهز عمره ثلاث قرون، فقد كان الربيع الديمقراطي ولا يزال محطة لقطع الصلة مع أركان الطغيان والفساد واستئصال الورم من جذوره، فقد حط الربيع الديمقراطي رحاله في أواخر القرن العشرين بأوروبا ليخلصها من شراك الظلم ومظاهر الفساد السائدة من طرف الكنيسة أو من طرف الحكام والباباوت الأرتدكس والبرتستانت، وسرعان ما انتقلت العدوى لدول أمريكا اللاتينية لتخلصها هي الأخرى من شراك الأنظمة الفاشية، ثم القضاء على الشيوعية وعلى الحزب الواحد إيمانا بالتعددية الحزبية والمعارضة السياسية.
بعد كل هذه الأشواط التي قطعها الربيع الديمقراطي بين أوروبا وأمريكا اللاتينية وصلت بعض من شراراته لدول أفريقيا لينتصر زعيمها نيلسون منديلا ليسقط نظام الأبرتياد في جنوب أفريقيا ليصبح مانديلا زعيما سياسيا وثوريا يحتذى به وبنضالاته.
وها هو الربيع الديمقراطي بعد ولوجه أفريقيا حط رحاله في بيئتنا العربية المغاربية في القرن الواحد والعشرين فمن جهة قد سعى الربيع الديمقراطي إلى إحياء سنة تاريخية واسترجاع مجموعة من القيم كقيم العزة والكرامة والإنسانية، ومن جهة أخرى رغبة الشعوب العربية في الابتعاد عن القهر السياسي والاجتماعي، ومن جهة أخرى ارتفاع نسبة الوعي وصحوة المثقفين واستنكار الطغيان السياسي وإحداث ثورة فكرية أولا ثم سياسية ثانيا، بغية استرجاع قيمة مفقودة، لكن هذه الصحوة وهذا التحول لا يكتملان إلا بتغيير جذري في النفس أولا، إيمانا منا بقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
بحيث أن هناك ثلاث قوى تحكم الفرد وهي قوة العقل والشهوة والعزة ولإنجاح الصحوة يجب تغليب قوة العزة عن القوى الأخرى كون هذه القوى لا تأثر ألا بالسلب على المجتمعات لأن منطق العقل العربي السائد لا يجب الخروج عن الحاكم والتفكير في أمر الثورة والتجنب في الحديث عن الثورة أو عن الحاكم المستبد لأن في ذلك مسا بسيادة وكيانها ونشرا للفتنة أما قوة الشهوة فقد حددها بعض الدارسون في كونها حب الخضوع والانقياد للحاكم، وحب الذل بدل الحرية، وكما قلت يجب تغليب قوة العزة على هذه القوى كون العزة نابعة من الحرية، وهي حالة مدهشة ورائعة تنبع من الإقدام والإدبار، وقد عاشها التوتر في معظم أرجاء الوطن العربي بداية من تونس، مرورا بمصر وليبيا والمغرب واليمن، وقد بلغ الإقدام حد الشهادة والتضحية بالنفس مقابل الآخرين وضمان حرياتهم وكرامتهم ورفع شعار الموت لا المذلة هكذا تسلمت قوة العزة مفاتيح القيادة في الوطن العربي.
– المرجع المعتمد في البحث الأستاذ محمد طلابي.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.