شعار قسم مدونات

كردستان.. الدولة الجديدة

People celebrate to show their support for the upcoming September 25th independence referendum in Duhok, Iraq September 10, 2017. REUTERS/Ari Jalal
نهاية هذا الشهر سيشهد العالم على ولادة دولة جديدة في الشرق الأوسط الذي يسبح في بحار من الفوضى غير المتناهية، والتي لا يمكن لنا أن نتنبأ متى ستنتهي، ولكن المتفائل من المراقبين يرى أنها لن تنتهي بوحدة هذه الجغرافية؛ وهذا ما بات أمرا شبه حتمي. وفي مخاض هذه "الفوضى" التي تجتاح هذا الجزء من العالم تُولد دولة جديدة لتنضم إلى قائمة الدول، أو أشباه الدول القائمة في المنطقة.
إقليم كردستان يمكن أن نقول إنه دولة غير معلنة، أو أنه دولة تبحث عن الاعتراف بها رسمياً، وما الاستفتاء إلّا الخطوة الأولى في بساط الشرعية الدولية. وإذا ما نظرنا للواقع في الإقليم الذي يستعد لأن يصبح دولة نجد أنه يتمتع بكل مؤسسات الدولة على الأقل العسكرية، والأمنية، والتنفيذية، والتشريعية، والعلاقات الدولية أيضاً.

استفاد إقليم كردستان من الحملة الدولية على تنظيم الدولة في تقديم الدول الغربية عينات جديدة من الأسلحة الثقيلة، وتدريب الكوادر العسكرية الكردية والأمنية، وكل هذه الإجراءات جرت باستقلال تام عن الدولة المركزية في بغداد وهذا ما يثير حكومة بغداد حول صدقية المجتمع الدولي فيما يقوله للأكراد بأن الوقت غير مناسب لإجراء مثل هذا الاستفتاء. لماذا يريد المجتمع الدولي تأجيل الاستفتاء الكردي؟ وماهي أسباب معارضة تركيا له؟

المعارضة التركية لهذا الاستفتاء تأتي في ظل الامتعاض الدولي من هذا الاستفتاء في هذا التوقيت، من حيث المبدأ لا يرفض المجتمع الدولي هذا الاستفتاء، بل هو الذي وضع الأرضية المناسبة لقيامه، وقيام هذه الدولة التي ستظهر للوجود إن شاء أو لم يشأ هذا المجتمع، ومنذ أن فرض حصار على العراق مرورا باحتلال العراق ووضع قوانيين تساعد على تفككه وليس انتهاءً بالحرب على الإرهاب.

تركيا لا ترفض قيام دولة كردستان كغيرها من بقية الدول الغربية أكثر من أنها تحتاج ضمانات من أكراد العراق على ضامن أمن تركيا، وأن تتعاون كردستان العراق، أو الدولة الجديدة مع تركيا

فإذا حاولنا النظر إلى هذه المعارضة الدولية للاستفتاء وتحججه بأن الوقت غير مناسب خصوصاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ تأتي في المأزق الأخلاق الذي يضعهم فيه، لأن دعمهم لهذا الاستفتاء في هذا التوقيت يجعلهم يدعمون أيضاً الاستفتاء الذي سيجري في إقليم كاتالونيا، فهم لا يريدون الوقوع في هذا المأزق، لذلك يقولون بتأجيل هذا الاستفتاء وليس إلغاءه، فمطالبتهم بتأجيله ليس خوفاً على تفكك المنطقة، بل باتجاه تحجيم ما سيحصل في إسبانيا.

أما المعارضة التركية لهذا الاستفتاء فهي تأتي في مساريين؛ الأول تخشى من أن تنتقل العدوى إلى الداخل التركي، وهي تقول كما تقول كل الدول إن الوقت غير مناسب، وأن هذا الاستفتاء سيُدخل المنطقة في حروب ومشاكل هي في غنى عنها، ولذلك ترغب في تأجيله حتى تلملم أطراف الأزمة لديها في الداخل التركي. والمسار الثاني، أن تركيا تريد تحديد مصير سوريا وتأمين الحدود معها حتى لا يكون هناك كيان كردي على حدودها. ومن حيث المبدأ لا تعارض تركيا الاستفتاء أيضاً، ولا تعارض قيام دولة كردية في العراق، لكنها تريده أن يتأجل حتى تأمن مخاوفها.

يمكن أن تتقبل تركيا قيام دولة كردية في العراق، لكن لا يمكن لها أن تقبل هذا الشيء في سوريا مثلاً، والسبب هو أن لتركيا تعاون قائم مع إقليم كردستان منذ زمن بعيد، ويمكن لها أن تجد ضمانات من الإقليم بخصوص أمنها، وهي بدورها ستقدم مساعدات للإقليم الذي سيصبح دولة في كل المجالات بخصوص بناء الدولة وترسيخ مؤسساتها، كما أنها ستوفر للإقليم منفذا للعالم يصدر من خلاله موارده خصوصاً المواد البترولية، وهذا الشيء غير متوفر مع أكراد سوريا بطبيعة تواصلهم وامتدادهم الطبيعي مع حزب العمال الكردستاني.

إذن تركيا لا ترفض قيام دولة كردستان كغيرها من بقية الدول الغربية أكثر من أنها تحتاج ضمانات من أكراد العراق على ضامن أمن تركيا، وأن تتعاون كردستان العراق، أو الدولة الجديدة مع تركيا في دفع عملية السلام مع أكراد تركيا، ومساعدتها في كبح جماح حزب العمال الكردي الذي يتخذ من جبال قنديل مقراً لقيادة عملياته، وهذا بالتأكيد سيتم بتوقيع اتفاقيات مع تركيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.