شعار قسم مدونات

خاشقجي ليس "معارضا".. وهذا هو سبب اعتقاله الرئيسي!

blogs جمال خاشقجي

صدمة الكثير من الصحفيين لا سيما الذين يعرفون الكاتب السعودي جمال خاشقجي وكان هناك تواصل بينهم وبينه، تتركز كونهم يعرفون تماما أنه ليس بمعارض سعودي بمعنى "المعارض" حقا، فهو يرفض تماما إطلاق هذا الوصف عليه. ولكن، باعتقادي استهداف خاشقجي تحديدا ليس لكونه معارضا بل لأنه ليس معارضا! كيف؟

مقولة شهيرة للكاتب الفرنسي الفيلسوف "فولتير" تقول: "الصحافة الحرة يستحيل كسرها. وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالما جديدا". ومن لا يعرف قوة الصحافة؟ الباحث في الصحافة يعلم ارتباطها بالدول لا سيما مع بحثه بـ"النظرية السلطوية" من محاولة دول السيطرة على الأقلام الصحفية جميعها، وإذا خرجت عن مسارها قمعتها وكبلتها وربما قتلتها.

خاشقجي يشكل مشكلة أكبر في ظل تصدير الرياض صورة للخارج لـ"إصلاحات كبيرة" داخل المملكة يقودها ولي العهد السعودي الشاب، والترويج لها بشكل كبير وفق ما يلاحظه المتتبع للصحافة الأجنبية. هذه الدعاية لم تلبث حتى بدأت تتداعى وسط انتقادات حقوقية قادها أصحاب القلم الحر في مقدمتهم جمال خاشقجي. على الرغم من أن خاشقجي كان متوازنا في انتقاده، دون إبداء نفس معارض شديد للنظام السعودي القائم، إلا أنه اليوم مختف لا يعرف مصيره بعد مراجعته لقنصلية بلاده.

الكلمة لا تُقتَل.. لكنها تَقتُل.. إلا أن قتيل كلمة الحق شهيدها، والقاتل بكلمة الباطل "آيس". والتمسك بالحق هدف الصحفيين ودافعهم للمهنة بالأساس، ولن يدفع أي تهديد لهم للتراجع عن الكتابة

ما يثير المخاوف من الصحفي خاشقجي هو مدى موضوعيته بعيدا عن المعارضة وممارستها بشكل سياسي، فهذا الأمر له تأثيره الكبير في الصحافة الأجنبية والجمهور الأجنبي، من خلال إقناعه بالحقائق والمنطق، بعيدا عن الشتم والسب والدعوة إلى قلب النظام، ما يوجد شكوكا بأهلية القيادة الحالية وحقيقة إصلاحاتها بأسلوب مهني وموضوعي. ففي حين يتم ترويج صورة الإصلاحات في أمريكا وأوروبا، يتم حرقها على يد منتقدين مقنِعين جدا، ليسوا بأصحاب أجندة سياسية، يكتبون بمنطقية وفكر، ويؤمنون بقيم الإنسانية والحقوق، والأفضل لبلدهم من خلال قلمهم الحر المستقل. 

الصحفي الكبير من مصر (تركي الأصل)، ولي الدين يكن، قال: الصحف ألسن العقلاء، تنطقها الحكمة ولا يستميلها الهوى، وواجبها أن تقود لا أن تقاد. هذه القيادة تجعل من صاحبها بنظر صاحب السلطة القلق، منافسا وخطرا أكبر من المعارضة، التي لا تقوى على أي برامج معارضة أو ممارسة لعملها المعارص في الداخل السعودي، في حين أن الأمر عكس ذلك بالنسبة للكلمة التي تصل إلى الجميع، في الداخل والخارج، لا سيما إن كانت من صحفي له مكانته في السعودية وخارجها. علاقات خاشقجي الكبيرة في الداخل السعودي وحتى في الخارج جعلت منه صاحب كلمة مسموعة للجميع حتى الأسرة الحاكمة، مكنته من حجز زاوية في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الشهيرة.

أندم على كل مرة كانت نفسي تحدثني فيها بانتقاد خاشقجي، بسبب موقفه الذي كنت أظنه غير واضح بسبب طلبه مني مرارا عدم وصفه بـ"المعارض السعودي"، إلا أنني اليوم أعي أسباب ذلك لديه بشكل كامل بعد اختفائه والحديث عن مقتله، وربما "تقطيع جسده" بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". لا نعرف بعد مصير خاشقجي، ولكن ما حصل معه سيكون دافعا للجميع من الصحفيين للتمسك أكثر بأقلامهم الحرة، وسيكون له أثره العكسي، ليكون جمال الصحفي الأيقونة عربيا لشهيد الكلمة والرأي الحر.

الكلمة لا تُقتَل.. لكنها تَقتُل.. إلا أن قتيل كلمة الحق شهيدها، والقاتل بكلمة الباطل "آيس". والتمسك بالحق هدف الصحفيين ودافعهم للمهنة بالأساس، ولن يدفع أي تهديد لهم للتراجع عن الكتابة وشغل مساحة الرأي والكلمة والتمسك بكونهم "سلطة رابعة" بلا تغول عليها من أي سلطان وحاكم.  كل ما كان يريده خاشقجي أن يظل قلمه حرا، مقابل شر يريد سياسة الناس كالبهائم، كما قال ولي الدين يكن في أبيات شعر سياسي أختم بها:

طغى الشرُّ في بعض النفوس ولم يزل
يربّ ُإلى أن أعلن الشرَّ كاتمُ
فجاؤوا يسوسونَ الأنام سياسة
سدى لم تسسها قبل ذاك البهائم
فكم عالم صاحوا به أنتَ جاهل
وكم جاهل قالوا له أنتَ عالم

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.