شعار قسم مدونات

"عقيدة الصدمة" والتعذيب في أروقة الـ CIA

blogs سوريا

أثناء قراءتي لكتاب عقيدة الصدمة للكاتبة نعومي كلاين، تحدثت الكاتبة حول وجه الشبه بين التعذيب الذي يحدث في أروقة وكالة الاستخبارات المركزية أو ما يُسمى بالـ "الاستجواب القسري" وبين "مذهب الصدمة" الذي يشرحه هذا الكتاب بإسهاب.

 

مذهب أو عقيدة الصدمة، كما وصفته نعومي كلاين بأنه استغلال وتبني أنظمة متوحشة لظروف الكوارث والحروب، يمررون من خلالها خططا وقرارات على المجتمع في لحظات ما بعد الكارثة أو الصدمة بشكل يجعلها أمرا واقعا يصعب رفضه بعد انتهاء الكارثة.

 

ماذا تفعل (CIA) حتى تحصل على كافة المعلومات من سجين ما؟ مجموعة تقنيات مصممة لإدخال السجناء "المصادر المُقاومة" في حالة من الضياع و"الصدمة" بهدف إجبارهم على تقديم تنازلات رغما عنهم!

 

في سوريا سمحت الحرب للنظام أن يحصل على مكتسبات وفرص لم يكن ليحلم بها في أيام ما قبل الثورة، وذلك عبر التسويات والاتفاقات التي تمت تحت ضغط القصف والتهديد بالاعتقال

في البدء تحرم الحواس تماما من استقبال أي معلومات بواسطة استخدام الأغطية وسطامي الأذنين والعزل التام الذي يجعلهم لا يشعرون بالليل أو النهار، من ثم يُعصف الجسم بمحفزات مفرطة القوة (أضواء مبهرة، موسيقى صاخبة، ضرب صدمات كهربائية).. ما يلبث حتى يستسلم السجين ويصبح عاجزا تماما عن التفكير. وغالبا ما يكشف معظم السجناء عن كل ما يريد مستجوبوهم أن يحصلوا عليه من معلومات أو اعترافات وقد يصل الأمر فعلا للتخلي عن معتقدات سابقة أصلا.

 

أين الشبه إذا بين ما ذكرته آنفا.. ومذهب الصدمة؟

الأمران متشابهان تماما.. وأوضح مثال على ذلك هو "صدمة الحادي عشر من سبتمبر".. دخل العالم في مرحلة ضياع واستسلام عميقين.. استغلت الأمر إدارة بوش بذكاء شديد.. وبدأت تعبث بالعالم كما كان يُفعل مع ذاك السجين، وبدأت في تلك اللحظة تظهر مصطلحات من قبيل "الإرهاب"، "الأصولية الإسلامية"، "محور الشر"، واستطاع بوش حينها أن يحقق إنجازات لم يكن ليحلم بتحقيقها.. كان أبرزها احتلال العراق.

 

هكذا يعمل مذهب الصدمة، يستغل الكارثة أو "يصنعها" سواء كانت هجوما إرهابيا، أم إعصارا أو انهيارا اقتصاديا أو ربما حربا لتطويع مجتمع بأكمله تماما كما تطوع الصدمات الكهربائية والأضواء المبهرة في زنزانة التعذيب، وتماما كما يحدث مع السجين في حالة هلعه بكشف كافة المعلومات والتنازل عنها، كذلك تفعل المجتمعات المصدومة بالتنازل عن أمور كانت ستدافع عنها بشراسة في أوضاع مغايرة.

 

في سوريا سمحت الحرب للنظام أن يحصل على مكتسبات وفرص لم يكن ليحلم بها في أيام ما قبل الثورة، فالتهجير القسري مثلا والذي تم عبر تسويات واتفاقات تحت ضغط القصف والتهديد بالاعتقال والحصار كان يهدف لتنظيف مناطق واسعة من المعارضين وطوائف معينة وإيديولوجيات لتستبدل بشرائح أخرى موالية له، أضف إلى ذلك قتل أعداد كبيرة من الشعب يعتبرهم ثلة غير مرغوب بها وجاءت الفرصة للتخلص منه. كلها إنجازات ما كان ليحلم النظام بتحقيقها لولا الصدمة التي عاشها الشعب السوري.

 

المؤمنون والمطبقون أو حتى المستغلون لعقيدة الصدمة، مقتنعون تماما بأن الانسلاخ وحده سواء كان – حربا، إعصارا، طوفانا أو انهيارا اقتصاديا- تلك هي لحظات مطواعة للشعب والمجتمع، لحظة نكون فيها غير مستقرين نفسيا، تائهون منسلخون عن أجسادنا.. لحظة هي الأنسب ليبدأوا فورا عملهم في إعادة بناء العالم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.