شعار قسم مدونات

العشق الأسود.. عندما يعشقُ العصفورُ السمكة!

BLOGS الحب

في ذاك اليوم الخريفي المحفور في الذاكرة، ويأبى أن يغادرها يوم الثالث من تشرين الأول عام 2012 كان اللقاء الأول، لا أدري أأسميه يوم ميلادي أم مطلع صدماتي في الحياة وخيباتي! ولكن ما أنا متأكد منه أنه كان أول درس لي في الحب وأول تجارب القلب. ذلك اليوم عندما قدمت لعيادة التجميل التي أعمل بها في كركوك لتكمل لمسات جمالها الذي لم أكن أرى أنه يحتاج لأي رتوش أو عناية زائدة.

سحرتني بعينيها السوداوين الواسعتين وطولها وأناقتها وكل تفاصيلها، أسميتها لؤلؤتي والسندريلا فقد كانت تشبهها كثيراً، كانت ملفتةً جداً لدرجة أحسست بقوة جذبها، فأردت فتح أي موضوع معها رغم خجلي المعتاد، فتجاذبنا أطراف الحديث، وسألتها كالملهوف عن اسمها وعمرها وعملها، فأخبرتني أنها تعمل في شركة زين للاتصالات فطلبت منها رقم هاتف مميز، وأعطيتها رقمي لتكلمني عندما تجد لي الرقم. لا أحد يعلم كم عانقت هاتفي، وانتظرت سماع نغمته، وكم أحسست بطول الزمن والانتظار! وبعد ثلاثة أيام يرن هاتفي فإذ بها تطلب مني أن أذهب لاستلام رقمي الجديد، كم تمنيت وقتها لو أن لي أجنحة أطير بها كي لا أتأخر على جمالها وسحرها.

ولما وصلت وأخذت بطاقتي الجديدة التي عشقت رقمها، وشممتها آلاف المرات، عشقت حتى اسمي "حسين " فشعرت بطربٍ على أنغامٍ من الحُسنِ عندما نطقَت به، ومنذ لحظة خروجي من شركة زين أصابني داء حبها، طوفان اجتاح كل حواسي، وقلب كياني، فقدت شهيتي للطعام، بتُّ مدمناً على حبها وكأنها أغنتني عن كل شيء. بقيتُ أسبوعين كالمريض، أرقٌ وفكر مشغول بها ليل نهار، فقد صرت أسيرها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها بها.

وأخذت وقتاً حتى أستوعب ما حدث، وقتاً حتى أعيدت برمجة جسدي وكياني كله وكأن خريطة جيناتي أعيد تكوينها، فقد خلقت من جديد منذ رأيتها، خلقتُ من رحم حبها. كانت أجمل أيام حياتي عندما تتصل بي للحجز في العيادة. وكانت أصعب لحظاتي عندما أطلبها على الهاتف ولا ترد أو تجيب. كنت تماماً كمن ينقص لديه الأكسجين.. أو كمن يغيب عن الوعي.. أحس بتنميل في الأطراف وخدر في القلب، كالمدمن الذي يحتاج لجرعته المخدرة، وأي مخدر جميل وعذب هي!

أحبها جداً رغم أنني أعلم يقيناً أنها ليست ملكي، أحبها بقدر ضعف عقلي تجاهها، رغم أنها لم تعدني يوماً أن تكون لي، ولكني أعيش على نظرة من عيونها، أو لمسة غير مقصودة من يديها

سألتني يوماً إذا كان لدي صفحة فيسبوك، وأنا لم أكن أستخدم الانترنت أبداً، ولكن حالاً وبأقصى سرعة، كمن استيقظ قبل أذان فجر رمضان بدقيقة وأسرع ليتناول أو يشرب أي شيء أمامه اشتريت حاسوباً محمولاً وقمت بعمل اشتراك بخط إنترنت وأنشأت حساباً على الفيسبوك لأبقى على تواصل فكري دائم معها؛ لأعرف تفاصيل حياتها أكثر وأكون أول من يقرأ منشوراتها ويعجب بها.

وفي تشرين الأول عام 2013 اعترفت بحبي لها الذي شعرت بأنني حبسته منذ مئة عام وأكثر رغم علمي بأنها ملك رجل آخر، لكن قلبي لم يفهم ذلك ولم يعيه، فقد كان حبها خارج نطاق سيطرتي وإرادتي. في تلك الليلة كتبت لها شعراً دون أن تعلم أنها هي المقصودة، وسألتني من هي المحظوظة التي كتبت كل هذا لأجلها؟ وإن كان هناك شعور لدي تجاهها؟ وبعد إصرارها بعثت لها صورة السندريلا "سعاد حسني" فتأكدت أنها المقصودة وقالت لي أنها أحست بحبي منذ اللحظة الأولى. سألتها إن كانت تبادلني الشعور؟ فأجابت بأنها لو لم تكن تحبني لما أحست بحبي، واعترفت لي أنها لن تجد شخصاً مثلي، ولكنها للأسف متزوجة، ولا أمل من هذه العلاقة.

كنت على علم بتفاصيل حياتها، والظروف السيئة التي عاشتها مع زوجها. وتمر الأيام وتزداد مشاكلها مع زوجها، وقفت بجانبها وساندتها وبعد شهر قدمت أوراق الطلاق للمحكمة، ووعدتني أن تتزوجني، وتكلمنا بأدق تفاصيل حياتنا المستقبلية، واتفقنا أن نسمي أول طفلة لنا "يارا". وفي شهر شباط 2014 مرضت أمها فكان يجب علي أن أشاطرها أحزانها قبل أفراحها، زرتها في بيت أمها وحضرت لي الفطور بنفسها، ذاك الفطور الذي لا يوصف، فالأشخاص هم من يُكسبون الأشياء رونقاً وجمالاً. الطعام وحده ليس له مذاقاً، إنما يكتسب مذاقه من الشخص الذي يُعدُّه أو الذي يشاركك فيه.

ولما انتقلت أمها لمستشفى السليمانية ذهبت لأراها وأطمئن عليها هناك، وكان أول لقاء لنا بعد اعترافي بحبها خارج العمل، ذهبنا معاً للسوق، وأهديتها دباً أحمر، كنت لحظتها كمالك مصباح علاء الدين وخاتم سليمان. كنت أظن بانفصالها أن العائق قد زال، ولم أدرك أن الحواجز بيننا قد ارتفعت. بقيت أعيش على نبض مزاجها الذي كان كأسهم البورصة ما إن يصعد سريعاً حتى يعاود الهبوط دون أي إشعار مسبق، حتى تركتني وقالت أنها لا تريد أن تراني.

ضربت بعرض الحائط كل وعودها لي وقتلت ابنتنا يارا قبل أن تولد، ووأدت كل ذكرياتنا الجميلة. كنت في حالة يرثى لها، في غربة عن نفسي وكل من حولي، كنت أبكي في خلوتي كبكاء الأطفال عند وداع أمهاتهم. فكرت كثيراً إن كان هناك ثمة شيء يستحق أن تضيع كل حبي لها، وتقذف به في أسر الزمان وبراثن الأيام. تأكدت أنها لا تحبني لقدرتها على بعدي بعد كل ما منحتها من حب واهتمام فقررت نسيانها، ودفن حبها في قلبي للأبد، فسافرتُ لتركيا في شهر أيلول من العام 2015 لأحاول نسيانها، وأبتعد عن أطلالها وكل مكانٍ جمعنا، وابتعدت سنة كاملة.

لا تطرقوا أبواب المستحيل فلن يجيبكم إلا صدى الخذلانِ والندم، فقلوبكم أغلى ما تملكون فارفقوا بها، ولا تلقوها في التهلكة، وتذكَّروا أن هناك من هم في الحب كالأطفال يطرقون الباب ثم يفرّون بالهرب
لا تطرقوا أبواب المستحيل فلن يجيبكم إلا صدى الخذلانِ والندم، فقلوبكم أغلى ما تملكون فارفقوا بها، ولا تلقوها في التهلكة، وتذكَّروا أن هناك من هم في الحب كالأطفال يطرقون الباب ثم يفرّون بالهرب
 

كان قلبي يدق كلما دق جرس هاتفي أو سمعت إشعاراً من أي تطبيق. انتظرت حتى لو رسالة بالخطأ منها، لكن بركان الحنين للأهل والأصدقاء اشتعل داخلي وأعادني لوطني. ورأيتها في أيلول عام 2016 فأخبرتني أمها أنها عادت لزوجها، لمن لم يكن يحبها أبداً أو يحترمها. عاتبتها كثيراً، لم تكن تملك ما تدافع به عن نفسها، وكان عذرها الوحيد أنها عادت من أجل ابنها، وقالت أنها تحبني وأنها انتقمت من نفسها. بكت أمامي، وكانت تعرف نقطة ضعفي جيداً فسامحتها. لم أكن أتقبل أي حقيقة قد تبعدني مجدداً عنها، فقد تمسكت بغبائي لأجلها.

وعادت علاقتنا مجدداً، وفي شهر آب 2017 أصبحت تعمل معي في نفس المكان، تعلقت بها أكثر، وعرفنا طباع بعضنا، وعصير المشمش اليومي شاهد على حبنا. أصبح مزاجي بين يديها تضبط إيقاعه كما تريد، حبها ما بين مد وجزر، بارد ومقيد، أما أنا تجدني دائماً في أي وقت تحتاجني، كلمة منها كفيلة لتسعدني طول يومي، وتصعد مزاجي لأعلى قمة، كنت أتمنى منها الكثير لكن أرضى بقليله أو أقدسه. خلال فترة العيد سافرَت لتركيا، تغيرت معي مجدداً، حاولت أن أعيدها إلي، وعدتها أن أحافظ على حبها، فقد أصبحت من طقوسي اليومية التي لا يمكن أن أتخلى عنها، كقطعة السكر التي لا يكتمل كوب الشاي بدونها.

أحبها جداً رغم أنني أعلم يقيناً أنها ليست ملكي، أحبها بقدر ضعف عقلي تجاهها، رغم أنها لم تعدني يوماً أن تكون لي، ولكني أعيش على نظرة من عيونها، أو لمسة غير مقصودة من يديها، أو على فنجان قهوة أو كأس عصير نشربه سوياً، أرسم عليه تفاصيل أتمنى حدوثها. أتساءل ماذا لو كانت تعيش بين أحضاني هل سيختل نظام الكون! أم أن آلاءها ستغمرني وتُسقط على بيداء حياتي وحي اسمها!

هذه قصة عاشقٌ غيَّبَ عقله وأحب بكل جنون، فلم يجد إلا الألم وحرقة القلب، فلا تفتحوا باب الحب على مصراعيه إلا لمن يستحقه، لمن يمكن أن يلتقي دربكم معه يوماً، ولا تطرقوا أبواب المستحيل فلن يجيبكم إلا صدى الخذلانِ والندم، فقلوبكم أغلى ما تملكون فارفقوا بها، ولا تلقوها في التهلكة، وتذكَّروا أن هناك من هم في الحب كالأطفال يطرقون الباب ثم يفرّون بالهرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.