شعار قسم مدونات

الارتجال السياسي.. لماذا فشل عنان في المواجهة؟

blogs سامي عنان
كان إعلان ترشح الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، أمرا مفاجئا وغير متوقع، خصوصا أن الرجل مر بتجربة مذلة حين أعلن نيته خوض الانتخابات عام 2014، فقد خرج الفريق في مؤتمر صحافي عن يمينه محمود مسلم وعن يساره مصطفى بكري، ليعلن أمام عدسات المصورين تراجعه عن فكرة خوض الانتخابات حرصا على سلامة البلاد ومنعا لتصيد المتربصين، فعندما يعلن رغبته الترشح لانتخابات 2018 لابد أن شيئا قد تغير، وأن لديه من الضمانات ما يمكنه من مواجهة من لا يرحمون ولا يوقرون صغيرا ولا كبيرا، وما يمنعه من أن يقف موقفا كيوم مصطفى بكري ومحمود مسلم، ويصون كرامته من أن ينال منها من لا يساوي بعرة بعير، حين يقول له بالعامية المصرية (أنا مش إعلامي وأنت رئيس أركان لكن هعورك يا سامي يا عنان).

 

لذلك كان لدي يقين بأن هناك خطة والأمور مرتبة، إنه رئيس أركان سابق يعني واضع خطط ونظرته ذات بعد استراتيجي، ومما عزز هذا الشعور خطابه للترشح، الخطاب معد بطريقة احترافية من ناحية الصياغة اللغوية، الدلالات السياسية، ملامسة وجدان الشعب عن طريق تذكيره بمكانه المسلوب وهو أنه السيد، الحديث عن التفريط في الأرض، اختيار مدنيين كنائبين له، التلميح لإمكانية مغادرة السيسي للسلطة من خلال القول بأنه رئيس منتهية ولايته وأنه صار مرشحا عاديا وتوجيه مؤسسات الدولة للوقوف على الحياد، هذه النبرة في الحديث يقولها شخص من داخل مصر تعني أنه قد اتخذ من التدابير ما يمنع من البطش به، لكن ماذا حدث؟!  

 

الدرس الذي يقرع مسامعنا منذ ثورة يناير وإلى اليوم، العمل الارتجالي قد ينجح في بداية الأمر ولكن فشله محتوم إن لم يخضع للتخطيط والتدبير ومعايير النجاح والفشل

فقط ثلاثة أيام كانت كافية للقبض على الفريق عنان وإيداعه السجن الحربي في محاولة للتحفظ عليه ومنع أي محاولة قد تهز أركان نظام السيسي، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كان عنان يملك من أوراق اللعبة ما يمكنه من اللعب مع السيسي بما يمثله كحليف إسرائيل القوي؟

الإجابة التي أخبرتنا بها الأيام هي أن رجل التخطيط الاستراتيجي وواضع الخطط الحربية، قد دخل المعركة قبل أن يكمل بناء خطوط دفاعه وطبق خطة تطوير المعركة قبل خطة بدئها، يا رئيس أركان حرب القوات المسلحة كيف لك أن تكون خطة سيرك اعتيادية ويتم القبض عليك وأنت في طريقك إلى مكتبك وفقا لرواية حملتك الانتخابية، على من كنت تعول؟! على الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل لأميركا أن تخرج قيد أنملة عن السياسة الإسرائيلية في المنطقة؟! هل تفرط إسرائيل في ربيبها ومن صنع على عينها؟! هل كنت تظن أن انقلابا عسكريا سيحدث؟! كيف ومتى ومن سيقوم به؟!

 

المخابرات الحربية تعد الأنفاس على الناس فما بالك بالعسكريين، أظننت أن المجتمع الدولي سيدعمك لأجل الاستقرار كما ظن العريان أن الانقلاب لن يحدث لأن المجتمع الدولي سيخجل من دعم انقلاب وإن لم يدعم الشرعية ففي أسوء الأحوال سيقف على الحياد، يا من كنت ستقود الجيوش إذا فرضت معركة كيف تخرج إلى عدوك مجردا من أي سلاح وهو يستخدم ترسانة من الأسلحة، كما قال حسن حسني في الفيلم الشهير (يوم ما تنشن لازم تصيب) لأن من رميته بنيران كلماتك ستأتي نار انتقامه لتلتهم جسدك المسن في غير توقير لسن، يا سيادة الفريق لقد كنت حريصا على أن تجلس مستقيم الظهر منتصب القامة في جلسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقت كان المشير طنطاوي يجلس أحدب الظهر بادية عليه آثار الشيخوخة، لقد اهتممت بالرتوش ونسيت آلية وأسس اتخاذ القرار.

خلال الأيام الماضية هناك إقالات داخل الجيش والمخابرات وهذا أمر طبيعي للغاية، إذ لابد من توجيه ضربة استباقية لكل مَن من المحتمل ألا يقف بجوار النظام الحاكم إلى النهاية، هذا لا يعني أن هناك انقلابا كان سيقع ولكن ما قام به النظام هو منع حتى مجرد التفكير في الانقلاب.

الفريق سامي عنان بما أقدم عليه قد وضع نفسه بين المطرقة والسندان، مطرقة أن يتراجع ويعتذر فتسوى كرامته بالأرض وسندان أن يكمل وهو أسير بين يدي نظام لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلا
الفريق سامي عنان بما أقدم عليه قد وضع نفسه بين المطرقة والسندان، مطرقة أن يتراجع ويعتذر فتسوى كرامته بالأرض وسندان أن يكمل وهو أسير بين يدي نظام لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلا

كان يتوجب على الفريق عنان أن يكون خارج مصر قبل إعلان ترشحه لخوض الانتخابات في دولة لا تؤثر على قراره وفي نفس الوقت تمتلك القدرة على تأمينه من غدر الغادرين، كندا مثلا، فهي دولة تحافظ على صورتها الخارجية بقوة ومن هناك تعلن ترشحك فلا تعطي فرصة للنظام بالقبض عليك بهذه السهولة واقتيادك كأي متهرب من أداء الخدمة العسكرية ولا تأتي إلى مصر إلا عند تسليم أوراق الترشح وتوقيع الكشف الطبي، هذا لا يعني أن الطريق سيكون معبدا لكن على الأقل وصلت إلى مرحلة متقدمة في الترشح قد تسبب ارتباكا للأجهزة الدولة العميقة في كيفية التعامل معك ومع أعضاء حملتك.

وإذا كنت يا سيادة الفريق قد رتبت لتحرك عسكري من أجل تغيير الوضع القائم ما كان ينبغي لك أن تخوض الانتخابات، بل تدخل في حالة سكون لتعمى عنك أعين النظام الحاكم وتنتظر حتى تنتهي الانتخابات فيكون النظام في حالة من الرخاوة ومنتشيا بتمرير الانتخابات ويكون الشعب قد بلغ منه الغضب مبلغا، هنا تضرب ضربتك.

إن الفريق سامي عنان بما أقدم عليه قد وضع نفسه بين المطرقة والسندان، مطرقة أن يتراجع ويعتذر فتسوى كرامته بالأرض، وسندان أن يكمل وهو أسير بين يدي نظام لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلا. إنه الدرس الذي يقرع مسامعنا منذ ثورة يناير وإلى اليوم، العمل الارتجالي قد ينجح في بداية الأمر ولكن فشله محتوم إن لم يخضع للتخطيط والتدبير ومعايير النجاح والفشل، يا أيها السائرون في درب الحرية شيء من التعقل وبعض التبصر وخطة مرنة وقائد فاعل واضحة له البدائل، هذه أمور لابد منها إن أردنا الخروج من النفق المظلم. حفظ الله مصر وشعبها ورفع عنها الكرب والبلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.