شعار قسم مدونات

صديقي لورانس.. نحن أولى بالفالنتاين منكم

مدونات - حب

كنت مع صديقي لورانس، طالب أفريقي نلتقي دوما لنتجاذب أطراف الحديث باللغة الفرنسية، نجتمع عادة في مقهى  قبالة الجامعة، المقهى الذي لم يكن اليوم كعادته لقد زين بورود حمراء ودباديب صغيرة وصور لأشهر عشاق السينما العالمية. 

     

جلست مع لورانس وانتظرنا قدوم النادل وإذا ببائعة تقترب مني حاملة بين يديها بطاقات عليها معايدات بعيد الحب بلغة صينية وإنجليزية فابتسمت لها وفهمت من حديثها أنها تدعونا لتخفيضات بمناسبة "الفالنتاين"، رحبت بالدعوة وبالهدية الصغيرة المرفقة ولكنني تفاجأت بلورانس حين قاطعني قائلا: هل يحتفلون بعيد الحب في بلاد العرب والمسلمين؟ أجبته بكل صرامة بعد غليان ناري اعترى كامل جسدي: نعم يا صديقي ونحن أهل العشق إن كنت لا تعلم!

    

رد لورانس بكل برود مؤكدا بأنه لا يدرى بأننا شعوب عاشقة، فكل ما يعرفه عنا سوى ما يراه على شاشات التلفزيون من أخبار إرهاب وقتل وعنف مسلط على النساء وانتهاكات لحقوق الإنسان وانتخابات غير شرعية وكل ما تلعنه الإنسانية من حدث تراه يتصدر أخبار منطقتنا .

        

الحب في لغة الضاد ليس مجرد فعل نصرفه حسب قواعد النحو والصرف، إن فعل الحب عند العرب علم بحد ذاته؛ ترى فيه المراتب، وتقرأ عن مفرداته، فهو العشق والهوى والشغف والهيام والود والغرام وغيرها من الكلمات

وعليه فإن رد صديقي قد يبدو متوقعا ولكني بقيت على غضبي بل بدأت أروي له كيف هام ابن الملوح في الصحارى وما قاله جميل عن بثنية، وأخبرته عن ابي تمام وكيف ظل يبكي فراق زوجته لسنوات وتوقفت عند ذي القروح قيس ابن الملوح ، كنت أتحدث بلكنة فرنسية امتزجت بحرف العين والضاد وقصائد حاولت نقلها للغة موليير علّها تمحو تلك الصور البشعة التي تصورنا كتتار القرن.

     

توقفت عن الحديث الذي استأثرت أنا بأكثر من نصفه وحولته لمحاضرة في الغزل العربي لأطلب كوب ماء، حينها قفز لورانس نحو الثلاجة قابلتنا وجلب قنينة قائلا: آسف مها، لم أدر أن حديثي سيزعجك . أخذت القنينة وأجبته بكل ديبلوماسية بأن الأمر عادي وبأنني تشنجت بحكم فراق الوطن .

     

قد تبدوا المسألة مجرد سؤال عن عيد ولكن في حقيقة الأمر هي صورة نمطية رسمتها قوى الاستعمار عننا وليس لنا فيها أي دخل. فحين يقال لأصحاب لغة الضاد هل تعرف الحب؟ فكأنما سألت صينيا هل في بلادكم سورا عظيما؟ أو كأن تسأل بوذيا عن طقوس التأمل عند بوذا؟ أو كأن تسأل مصريا عن الأهرامات؟

   

فالحب في لغة الضاد ليس مجرد فعل نصرفه حسب قواعد النحو والصرف، إن فعل الحب عند العرب علم بحد ذاته؛ ترى فيه المراتب وتقرأ عن مفرداته، فهو العشق والهوى والشغف والهيام والود والغرام وغيرها من الكلمات التي ذكرتها المدونة العربية التي تنتطق بأبهى الكلم وأعذبه .

   

إن الحب في لغتنا ما قاله الإمام علي لعود الأراك حين لامس شفاه السيدة البتول"فطمة الزهراء": "حظيت يا عود الآراك بثغرها… ما خفت منى يا آراك اراكا ". والعشق عند امرى القيس فات حدود القبيلة بل عشق وحد القبائل والشعوب في وصف امراة واحدة حين قال:  حِجَازِيّة الْعَيْنَيْن نَجْدِيَّة الْحَشَى  – عِرَاقِيَّة الاطْرَاف رُوْمِيَّة الْكِفْل – هَامِيَّة الْابْدَان عَبْسِيَّة الْلَّمَى – خُزَاعِيَّة الْاسْنَان دُرِّيَّة الْقَبَل .

   

إن الشغف في تاريخنا ما قام به الخليفة أبو جعفر المنصور حين أهدى زوجته أروى القيروانية قصرا ببغداد -قصر القرار- حيث جعل من مخدع زوجته مركزا لقرار الخلافة، ومحددا لمصيره كحاكم . ولا يقتصر الشغف عند الخليفة المنصور بل شمل خلفاء الأندلس وخلفاء دمشق وحكام القيروان وسلاطين القاهرة، فكل من حكم بحرف الضاد رافقه عشق يضاهي الملوك في سطوتها وكأن من حكموا كانوا على عهد عنترة العبسي يوم ود تقبيل السيوف لأنها برقت كثغر عبلة المتبسم .

   

كم أنت حالمة يا لغة الضاد! وكأن الله خلق أحرفك لينطق بها عشاق هذه الأرض، هم فقط من يعلمون أنك سلام وأنت عزاء لكل ذي وجع ولكل قلب انكسر، حفظك الله يا لغتي وأغفري للورانس جهله، لقد ظلموك عن جهالة وما يدرون بأنك تنطقين عقشا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.