شعار قسم مدونات

أزمة الحكم في مصر خلال 100 عام !

blogs الثورة المصرية

تأسس في مصر وضع سياسي خاص بعد أن حصل المصريون علي دستور "أبريل" نيسان عام 1923 كأحد المكاسب عن تضحيات سنوات البناء السياسي "الثلاثين" والتي بدأت مع تولي الخديوي "عباس حلمي" الحكم خلفا لأبيه الخديوي "محمد توفيق" في عام 1892 ولكن المصريون لم يحافظوا علي مكتسبات ثورة عام 1919 بالانقسام الذي حدث بعدها بين من كانوا يسمون "زعماء الثورة وقادة الأمة" وأصبح "حزب الوفد" الذي قاد جزءاً من وقائع الثورة وأحداثها؛ هو المفرط في حقوق المصريين تجاه السلطة البريطانية في مصر؛ بدلا من أن يكون هو "حزب الجبهة" التي تصارع البريطانيين علي مزيد من الحقوق السياسية للمصريين.

 

كانت الخسارة في جني مكتسبات الثورة عاجلة؛ رغم أن الثورة كانت ما تزال حاضرة وساخنة في قلوب الشعب. وقد بدأ نزيف الخسائر؛ بعد أن بدأ موسم جني ثمار الثورة؛ كل لصالحه؛ في عام 1922 وخديعة البريطانيين يإصدارهم وعد الاستقلال "التابع" في 28 فبراير 1922 والذي مثل جانبا مما خسره المصريون بالانقسام في إدارة الحياة السياسية في الوقت الذي كان عليهم أن يحصلوا على نتائج أفضل من خلال ثورتهم في عام 1919.

 

وقد كشف الصراع بين زعماء الأحزاب المصرية وقادة الثورة وأصحاب المصالح والنفوذ والقصر الملكي وممثلو الغرب المسيحي عن أزمة معقدة في مصر؛ استمرت منذ ذلك الحين وحتى الآن؛ فعلي مدي أكثر من 99 عاما ظلت مصر تبحث عن "نظام سياسي" كاف لضبط مصالح كل القوي المتصارعة على الحكم هذي ولكن دون جدوى، وقد فشل الجميع إلى الآن في تحقيق هذا النظام، وضاعت الفرصة تلو الفرصة لأسباب داخلية وأخري خارجية.

 

تضاعف السوء في أزمة الحكم في مصر؛ لأن الأزمة تعقدت بفعل أزمة أخري، هي أزمة الحاكم نفسه؛ إلي جانب "أزمة النظام" الذي كان من المفترض أن يمثل الشعب أساسا في إدارة الدولة

فمن الأسباب الخارجية التي أثرت بالسلب على الحياة السياسية في مصر منذ ذلك الحين وحتى الآن: أن "الغرب المسيحي" لم يكن مثلا: هادفا إلى مساعدة الشعب المصري علي أن يكون "نظام الحكم" في الدولة المصرية؛ عادلا أو ديمقراطياً، بل ساعد الغرب "طغاة الحكام المصريين" على أن يتمادوا في الاستبداد ما دام ذلك لصالح الغرب ومشروعاته. كما أن أزمة الحكم في مصر استمر تصاعد تأزمها حتى انتهاء العصر الملكي وتجربته الليبرالية؛ ثم تصاعد التأزم في طفرة كبيرة بعد حكم الضباط في مصر في يوليو "تموز" 1952 واستمرار سلسلة انقلابات الحكم العسكري؛ حتى محطتها الأخيرة في 3 يوليو 2013.

سوف يستمر التأزم السياسي في إدارة منظومة الحكم في مصر؛ وسوف تستمر "طفرات" التعقد في "أزمة الحكم" لأن من أمسكوا بالسلطة "غصبا أو طوعاً": كل انشغل بمصالحه عن الهدف الذي يحقق "النظام" الذي يحمي كل المصالح للقوي المختلفة في السلطة وخارجها، ولم يأت على مصر إلى الآن النظام الذي يعتلي السلطة وفي نفس الوقت لا يتجاهل الشعب أو يتلاعب به أو يخدعه أو يستخدمه كوقود للثورات، ثم بعد ذلك يهمشه في إدارة السلطة ويهمشه في ميزان العدالة الاجتماعية.

لقد تضاعف السوء في أزمة الحكم في مصر؛ لأن الأزمة تعقدت بفعل أزمة أخري، هي أزمة الحاكم نفسه؛ إلي جانب "أزمة النظام" الذي كان من المفترض أن يمثل الشعب أساسا في إدارة الدولة، ثم تعقدت الأوضاع؛ بأكثر من "أزمة النظام وأزمة حاكم النظام" إلي أزمة أخطر وهي فشل الحاكم في إدارة السلطة وتبديد أساس وجود الدولة؛ بل أن نظام الحكم خلق إشكالية مهددة لترابط الدولة المصرية نفسها بعد الانقلاب "الثالث" في سلسلة الانقلابات المصرية الرئيسية ؛ فقد حدث بعد انقلاب 3 يوليو "تموز" 2013 أن تمترس الانقلاب العسكري "خلف الشعب" وأخذ الأغلبية من الشعب دروعا بشرية؛ بل أنه أخذ الشعب في الواقع "رهينة" بادعاء أنه أخذ تفويضاً من الشعب؛ علي أساس أنه سوف "يحمي الشعب من أعداء الشعب".

 

كان هذا الشعار الأجوف وآليات تنفيذه حيل "ابتدعها" الرئيس جمال عبد الناصر؛ وقد اتبعها من بعده "الرئيس" عبد الفتاح السيسي. والحاصل أن: الواقعية الشخصية والسياسية؛ غائبة فيمن يتولون السلطة الآن في مصر؛ فلا أحد لديه القناعة بشفافية "إدارة الحكم" أو أن "الديمقراطية" واجبة وأن الالتزام بالدساتير التي أقرها الشعب "سيف" على رقبة الحاكم، لا يجوز التنصل من حده القاطع؛ إذا ما تم الإخلال بأي من تعهدات الحاكم للشعب ودستوره.

والحاصل في مصر الآن: أن دروس التاريخ الثمينة مهملة؛ بل التاريخ الآن في مصر يداس عليه بالبيادة وتمزق وثائقه؛ والإعلام السلطوي يستخدم أحط حيل التلاعب بوعي المصريين ويتمادى في إغراقهم في ضباب لا يمكن الرؤية الصحيحة من خلاله. ولم يبق من "حيل السلطة" الآن للاستمرار في الحكم غير: مخاصمة الواقع والحقائق وخلخلة مؤسسات الدولة؛ لصالح "حكم الفرد" المعتلي "جيش السلطة" منذ التخطيط لإجهاض "الثورة الشعبية" وألا تصبح واقعاً في مصر؛ كان المكر السيء وراء اعتلاء "عبد الفتاح السيسي" ومجموعته الحكم في أعقاب محاولة المصريين الثورة في بدايات عام 2011 فقد تم إجهاض مشروع الثورة؛ بمخطط للثورة المضادة.

 

وكان السيسي من مجموعته المنفذة؛ وقد تمادي المخطط؛ حتى أصبح السيسي رئيسا للدولة وهو في نفس الوقت يمثل "الثورة المضادة بوجهها الناعم المخادع والمحطم" لكل أحلام المصريين؛ ولا أظن ان هذه الازدواجية وهذا الخداع سوف يستمر حتى مئوية ثورة المصريين التي حدثت في عام 1919 والتي لم يبق عليها إلا عام واحد وتحل ذكراها المائة. فلا يظن فردا مهما كانت قدراته أنه بإمكانه حكم مصر منفردا؛ والحاكم العاقل النزيه يكفيه أغلبية مرجحة مساندة؛ وأجهزة ومؤسسات في الدولة تكون معاونة؛ لا مخاصمة؛ ولا معادية وغير ذلك سوف يصححه الشعب في ثورة غضب ووعي.

 

خلال فترة هذا الحكم المستبد؛ فقد قدم السيسي ما لم يقدمه غيره أبدا من تنازلات في قضايا تمس وجود الدولة المصرية، وهي التنازلات التي لم يسبقه في تقديمها أي حاكم لمصر في تاريخها المعروف
خلال فترة هذا الحكم المستبد؛ فقد قدم السيسي ما لم يقدمه غيره أبدا من تنازلات في قضايا تمس وجود الدولة المصرية، وهي التنازلات التي لم يسبقه في تقديمها أي حاكم لمصر في تاريخها المعروف
 

لقد وعي الكثيرون من المصريين أن "عبد الفتاح السيسي" أتي إلي الحكم عبر انقلاب عسكري واضح في هدفه بأن يسود السلطة في الدولة؛ ولكنه تخفي في ثوب ادعاء الضرورة باﻹنقاذ ومنع توغل "جماعة الإخوان المسلمين" في مفاصل الدولة؛ بأكثر مما توغلت؛ وأن الانقلاب أتي في أول عهده بمن يمكن وصفه بأنه "شبيه الرؤساء" دون أن يكون رئيسا ولا شبيها للرئيس؛ ليسير من خلاله مجموعة الانقلاب وإجهاض الثورة الشعبية ما يريدون دون ظهور.

 

هكذا كان " السيسي " حاكما خفيا مستبدا ودون أن يتحمل أدني مسئولية؛ ثم أتي الوقت الذي كان علي قائد انقلاب أن يترك البدلة العسكرية التي حُملت بالحد اﻷقصي من الرتب العسكرية، وليلبس "البدلة المدنية" التي تخفي بداخلها الغلظة العسكرية وتَسلط المؤسسة العسكرية وأذرعها المخابراتية. وحصل "السيسي" على المنصب المدني ولكن بسلطات عسكرية.

 

وخلال فترة هذا الحكم المستبد؛ فقد قدم السيسي ما لم يقدمه غيره أبدا من تنازلات في قضايا تمس وجود الدولة المصرية، وهي التنازلات التي لم يسبقه في تقديمها أي حاكم لمصر في تاريخها المعروف، وأغلب الظن أن السيسي سوف يستمر في السلطة؛ حتى يتركها مجبرا وبدون سلاسة التنازل عن الحكم طواعية أو بوسائل التغيير الديمقراطي. وفي هذه اللحظة المرة التي سوف تأتي حتما قبل ذكري ثورة 1919 نأمل ألا يكون الدم كثيرا ويقتصر فقط على من أخطأوا اﻷخطاء العظمي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.