شعار قسم مدونات

أذكى من السيسي!

مدونات - السيسي في القمة صورايخ بلاستيكية

"أذكى من إياس"، مثل عربي يضرب في من يتصف بحدة الذكاء، وشدة الحدس، وصدق الفراسة، ويعود هذا المثل للقاضي إياس بن معاوية بن قرة المزني، تولى قضاء البصرة في عهد عمر بن عبد العزيز، وقد اشتهر بين قومه برجاحة عقله، وسداد رأيه، وأصبح مثالا يستند عليه كل من تشارك معهم في هذه الصفات.

 
قد يمحى اسم إياس من قائمة الأذكياء ومن ضربت فيهم الأمثال، ليتسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي القائمة، وتنفجر كل مقاييس علم النفس في وجوهنا معلنة فوزه بنفس النسبة التي فاز بها في الانتخابات الرئاسية السابقة، وقد يكون الأمر مدعاة للسخرية في هذا التوقيت بالذات، لكن لا تستغرب لو وجدت ابنك أو حفيدك يطلب منك سرد الفترة التي تولى فيها السيسي حكم مصر، وعن الكواليس التي حسمت النزال الانتخابي بينه وبين المرشحين.

 
يخرج عبد الفتاح السيسي في كل مناسبة تارك خلفه موائد النقاش تعج بالأسئلة والأجوبة، الرجل الذي صنع الكوميديا السياسية، وخطف لقب الزعيم من الفنان عادل إمام لا يمر مؤتمر دون أن يصنع الجدل والسخرية معا، حتى أضحى المواطن العربي عاشقا لخطاباته الهزلية كمسرحية ننتظر موعدها عساه تبدد مشاعر الوجع العربي المتناثر فوق كل قناة عربية.

 

كيف لرجل قضى نصف عمره في الجيش أن يخطأ في تسمية الصواريخ أمام قمة عربية صامتة كالعادة، هو الذي كبر وسط الأسلحة والمعدات، بعبارة صواريخ بلاستيكية بدلا عن باليستية المتعارف عليها دوليا؟

بين تصفير المعارضة، وتصفيق الموالاة، يقف نصف العرب مستمتعين بعروض عبد الفتاح السيسي التي لا تقل فرجة عن المسرحية المصرية، فالمتفرج يعلم جيدا أن المتكلم رئيس "مشافش حاجة"، تغيب الخطابة، وتنهار الهيبة، ويحل محلها كلام ليس له وزن، تأتأة متواصلة، وضحك لا معنى له، جمل غير مترابطة، يفهمها إعلام التطبيل والراقصين أمام اللجان، في ظل بحث دائم عن السؤال: هل يتعمد الاستغباء، أم انه جدير بالغباء؟
 
لا يمكن لهذا الرجل الذي كان أصغر أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة سنا خلال فترة حكم المجلس العسكري أن يوصف بالأبله، الرجل الذي تقرب من الإخوان، وأظهر لهم صدق نواياه، فسارع الرئيس المغزول محمد مرسي في ترقيته من لواء إلى فريق أول وصولا إلى وزير الدفاع، بعد ترأسه رئيس للمخابرات الحربية والاستطلاع، لا يمكن لهذا "الأبله" الذي يتعمد إضحاكنا والضحك علينا، أن يعزل من أمنه، ويعطل العمل بالدستور، ثم يرقى إلى رتبة مشير، ليخلع بعدها البدلة العسكري ويترشح للانتخابات رئاسية الفائز فيها رجل عض اليد التي انتشلته من أسفل الرتب.
 
لم يكن عبد الفتاح السيسي غبيا، ولا حتى معتوها، عندما ترأس مصر لولايته الأولى، فقتل نصف المعارضين وزج النصف الآخر في السجون، أقفل القنوات، وكمم الأفواه، باع أرضه للسعودية وسط ذهول جماهيري، قيده صمت البرلمان المصري، الرجل الذي وافق على بيع القدس، وجند الفنانين والإعلاميين تهليلا للرفض والشجب، كان أول العالمين بنقل السفارة المصرية إلى القدس، الرجل الذي حرض للحصارات والانقلابات لا يمكننا إلا الاعتراف بذكائه، الرجل الذي أقنع أكثر من 90 مليون مصري أنه المرشح الوحيد لولاية ثانيا تكملة لبرنامج لم نره، فتتهافت عليه الأصوات مرحبة بفوزه، إنه وللأسف المخادع الذكي الماكر عبد الفتاح السيسي.

 

كيف لرجل قضى نصف عمره في الجيش أن يخطأ في تسمية الصواريخ أمام قمة عربية صامتة كالعادة، هو الذي كبر وسط الأسلحة والمعدات، بعبارة صواريخ بلاستيكية بدلا عن باليستية المتعارف عليها دوليا، موجها الرأي العام ساخرا، متناسيا نص الخطاب، عبد الفتاح السيسي يجبرنا جميعا على الاستماع إليه ونحن نحمل طبقا من "الفوشار"، واضعين عقولنا في إجازة وقتية.

  
أمكر من السيسي لم تنجب مصر، رجل يحمل من الخداع ما سد به جوع الجهل هناك، وعطل فيه مظاهر الرفض والشجب، رافعين عنه القلم، فلا هو النائم الذي سيستيقظ، والصبي الذي سيبلغ، ولا المجنون الذي سيعقل، بل هو الذكي الذي يطبق ما يملى عليه، والمردد لما يقال إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.