شعار قسم مدونات

فلسفة الطبيعة.. هكذا تكون عادلا وديكتاتورا بنفس الوقت!

blogs الطبيعة

ربما لو بحثنا في كثير من الفلسفات لما وجدنا أكثر من فلسفة الطبيعة حكمة وأكثر عدلا رغم دكتاتوريتها، وإن كان لمصطلح الدكتاتورية معنى ربما لا ولن تستسيغه الأغلبية من شعوب العالم إلا أنه من الأفضل لو نعترف بدكتاتورية الطبيعة لأنها لا تعترف بأية قوة ولا بأي فكر أو رأي أو عاطفة، ويبقى ذلك كله في سبيل فرض قوانينها التي تضمن استمرارية الحياة بضمان هيبة النواميس والشرائع لا بضمان "استمرارية نفس الأشخاص".

قد يعيب البعض جمع العدل والدكتاتورية في فلسفة الطبيعة ويقول أن الدكتاتورية لا تعني الحكمة، ولا يمكن أن تبنى الحكمة بنقيضين مثل العدل والدكتاتورية، لكن الحقيقة أن الحكمة هي جمع النقيضين فعلا، ولربما بررنا ذلك بكون الطبيعة دكتاتورة في فرض قوانينها على البيئة وعادلة في توزيع الفصول على كل بيئة، وتفضيل بيئة ما على أخرى بمناخ دون آخر.

 

فلو أن الطبيعة رضخت للصحراء وجعلت السماء صافية في كل الأوقات من أجل أن تحفظ الرمال من الأمطار لاشتكت الجبال عريها من الأشجار التي تحتاج لما اشتكت منه الرمال، والعكس صحيح، ولكي يكون هناك عدل بين الرمال والجبال فلابد للطبيعة أن تكون دكتاتورة تفرض قوانينها بما يناسب الجميع، فحتى الإنسان لو أن الطبيعة قررت الخضوع لرغبات كل شخص وكل فرد لطلب كل منهم جوا يناسب الثوب الذي يعجبه، لكن دكتاتورية الطبيعة هي من توحد الناس على جو واحد وتحقق العدل بينهم بأن يكونوا سواسية في كل فصل.

العدل يشفع "للسلطان" والدكتاتورية تضمن عدم تمرد "الشبعان"، والعدل والدكتاتورية مجتمعان يضمنان قوة وهيبة وحياة الأوطان

إذا ما أتينا إلى فلسفة الحكام عبر الأزمان لوجدنا أن فلسفة الطبيعة غائبة تماما في حكم الأغلبية منهم، فهناك من الحكام من يستبد برأيه ويطغى بقوته وسلطانه وفي مقابل ذلك لا يعدل بين أبناء شعبه حتى يتسبب في هز العرش من تحته وإن طال الزمن أو على الأقل يتسبب في خلق فوارق اجتماعية لا تلبث أن تخسف بالوطن وتغرقه في الحروب الأهلية والصراعات العرقية، وهناك من تجارب الحكم عبر الزمن أيضا أن أرخى بعض الحكام الحبل كليا لشعوبهم تحت مسمى الحرية فضيعوا الوطن بتحويله إلى غابة شاعت فيها الجريمة بسبب الحرية المفرطة ومحاولة إرضاء كل شخص وكل طرف على حدة باسم العدل المفرط، ولنا في بعض الدول العربية أمثلة عن كل فلسفة.

إنه من الصواب لو تصبح فلسفة الطبيعة نظرية حكم، يضمن بها الحاكم العدل ويضمن توفير ما يحتاج الشعب ليعيش حياة كريمة، ويضرب في المقابل بدكتاتورية تقمع كل من يرغب في التمرد على شرائع الدولة وفلسفتها، فالحاكم الذي يظهر الحب لشعبه ويظهر نيته في العدل بينهم وتوفير أساسيات العيش الكريم لهم لا تزعزعه أية أصوات ترتفع منادية بتغيير فلسفته أو القفز على الشرائع، لأن الأغلبية إذا ما التمست العدل والإخلاص في الحاكم فإنها تنظر لدكتاتوريته على أنها ضمان لاستمرار العدل والإخلاص.

 

أما لو كان الحاكم ظالما فدكتاتوريته شهادة إدانة على ظلمه، لأن الرمل سوف لن يشتكي من دكتاتورية الطبيعة في الشتاء إذا ما علم يقينا بأنها ستنصفه في الصيف بناءا على قناعة راسخة بعدلها، والإنسان في بيئة ما لا يحق له أن يشتكي من شح السماء للأمطار إذا ما تسبب شخصيا في القضاء على الأشجار التي تعتبر عاملا أساسيا في دورة الماء في الطبيعة، لهذا فقد يرى في معاقبتها له بالجفاف دكتاتورية في حين هي عدل بالنسبة للبيئة لأن في معاقبته إنصاف لها ودرسا لغيره في بيئة أخرى.

لذلك فمن الحكمة أن يعمل الحاكم بنظرية الطبيعة فيكون كريما عادلا منصفا لشعبه، ودكتاتورا يضرب بيد من حديد كل من ينوي إضعاف قوة الشرائع والقوانين في البلاد، فإن العدل يشفع "للسلطان" والدكتاتورية تضمن عدم تمرد "الشبعان"، والعدل والدكتاتورية مجتمعان يضمنان قوة وهيبة وحياة الأوطان. ولا بد أن مثل هذه النظرية لفرصة لكثير من البلدان لإصلاح ما أفسده الاستبداد أو ما تسبب فيه الهوان باسم الحرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.