شعار قسم مدونات

خطيئة الخليفة المعتصم التي لا تغتفر!

مدونات - خليفة

هل نحن كعرب مدركين فعلاً لحجم المأساة التي تعيشها أمتنا العربية؟ هل هذه المأساة لعنة تاريخنا العريق الذي اكتشفنا ولو متأخرين أنه ليس تاريخنا؟ أم لعنة الجغرافيا التي جعلت من مشرقنا العربي مطمع لكل الغزاة عبر التاريخ؟ أو هل لكوننا عرب نعتبر جزء أصيل في هذه المأساة التي نعيشها اليوم؟ لماذا أمتنا بالتحديد التي يقارب تعدادها الأربعمائة مليون، مجبرة على هذا الضنك؟ فلو ألقينا نظرة سريعة، سنجد العراق ما عادت العراق، وسوريا أصبحت كالغريق الذي يبحث عن قشة النجاة وسط عباب البحر الهائج، وفلسطين تستغيث فلا تنجد من مغيث فالكل ينكرها، واليمن ومصر ولبنان تعيش معنا نفس المأساة بكل فصولها الأربع، إذن أين الخطأ ومن المخطئ، بل من الضحية ومن الجلاد؟ وما ذنب المعتصم في عدم اهتدائنا للطريق الصحيح؟

فقد تعلمنا في صغرنا أن غلطة الشاطر بألف، وأمامنا شواهد عدة منها غلطة هتلر عندما غزا روسيا، فنسف بهذه الغلطة كل انتصاراته دفعة واحدة، ويا ليت غلطة المعتصم كانت كغلطة هتلر بل هي أضعافها، فالمعتصم الذي تربع على عرش الخلافة الإسلامية عام 218 هجري/833 ميلادي، سقط في خطيئة يمكننا القول أن الأمة العربية تدفع ثمنها إلى اليوم، فكلنا عندما نسمع أو نقرأ كلمة "وااامعتصما" يتداعى لمخيلتنا فتح عمورية، ولكن الذي لا يتداعي لمخيلتنا أن جيشه لم يكن عربياً، ربما يتسأل سائل وما الضير في ذلك عربياً أو عجمياً كان، ما المشكلة!

 

فالمعتصم خلال خلافته القصيرة سأم من صراع كلاً من العرب والفرس على السلطة، فالفرس أخواله والعرب أمته التي يستمد شرعيته منها، لذلك جعل جل جيشه من العنصر التركي، وبالمناسبة ليس المقصود بالعنصر التركي بالعثمانيين أو أتراك تركيا، بل هم أطفال تم جلبهم إلى دولة الخلافة من أواسط آسيا بما يعرف اليوم بكازخستان و أوزبكستان، وتم تربيتم تربية عسكرية بحتة، ولا يعرفوا رباً سوى الله ولا أباً سوى الخليفة أكان المعتصم أو من سيصبح خليفة من بعده، ولكثرتهم بنى لهم المعتصم مدينة سامراء لتكون حاضرتهم، ويبدو أن المعتصم أعجب بمهاراتهم وطاعتهم العمياء فعينهم قادة الجيوش، ومن ثم أسقط دور العرب في وظائف الدولة العليا والدنيا وعين بدلاً منهم الترك، وبهذا التعيين يمكن القول أنه لم يعد للعرب أو القبائل العربية أي دور في السياسة عدا دور يتيم وهو دور الخليفة، وما لا يمكن إنكاره أن الترك ومن جاء من بعدهم كان لهم دور كبير في تدعيم دولة الإسلامية والبطش بأعدائها والخارجين عليها.

 

عندما نالت معظم أقطارنا العربية استقلالها، لم يكن لدينا تراث سياسي نتكئ عليه في النهوض ببلادنا العربية، وكان هذا واضح للعيان في مأساة فلسطين

وعندما تولى الخليفة المتوكل السلطة وجد أنه مكبل من قبل الترك، فسعى للتخلص منهم فعاجلوه واغتالوه عام 247 هجري/ 861 ميلادي، ويمكن القول منذ ذاك التاريخ لم يعد للعرب أي دور سياسي أو عسكري يذكر سوى أن الخليفة الصوري من العرب يأتمر بأمر وزراءه من الترك ولا يناقشهم.

 

وعليه يمكننا القول منذ اغتيال الخليفة المتوكل حتى جلاء الاستعمار وظهور الدول العربية المعاسرة، أي ما يقارب ألف سنة ، جل من حكم المنطقة العربية كانوا من الترك أو السلاجقة أو الأيوبيين أو المماليك أو العثمانيين فلم يكونوا عرب، بل كانوا يحرصون على أن يكون قادة الجيوش والجنود وموظفي الدولة من عناصر غير عربية، وخلال تلك الفترة التي قدرناها بألف سنة كان العرب هم سكان المنطقة العربية ورواد الحركة العلمية من الفقهاء والعلماء ورجال الدين وكذلك التجار والحرفيين والمزارعين، وهذا لا يعني أن العرب لم يسعوا لاستعادة السلطة من يد العجم، فقد قاموا بعدد من الثورات ولكن تم القضاء عليها في مهدها.

 

وخلال تلك الفترة لم يمارس العرب أي دور سياسي أو عسكري ذو شأن، وعليه عندما نالت معظم أقطارنا العربية استقلالها، لم يكن لدينا تراث سياسي نتكئ عليه في النهوض ببلادنا العربية، وكان هذا واضح للعيان في مأساة فلسطين وفشل الجيوش العربية مجتمعة في حرب فلسطين عام 1948، وسقوطنا في فخ انقلابات عسكرية عشوائية غبية لا طائل منها، إضافة للهزائم المتكررة علي يد الدولة العبرية، فيمكن القول أن غياب التراث السياسي الذي يعتبر عماد أي أمة أو قومية للنهوض، يعتبر كذلك غيابه من جانب آخر أهم أسباب فشل وسقوط الدولة العربية المعاصرة.

 

عليه يعود أصل المشكلة وما تمخض عنها من فوضى وضياع وعدم إدراكنا لحجم المأساة التي نعيشها، لتقديم ديننا "الإسلام" على قوميتنا العربية، فقبلنا عن قصد أو بدون قصد أن تحكمنا قوميات غير عربية تدين بالإسلام ديناً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.