شعار قسم مدونات

محمد رمضان.. بين الموهبة والتجارة بالفن

سوف تخسر السينما والدراما العربية موهبة كانت سوف تجسد الكثير من الشخصيات التي سوف تبهر المشاهد الذي يبحث عن فن حقيقي بلسان عربي
يودعنا الشهر الكريم هذه الأيام على أنغام موسيقى الزمن الجميل، الزمن الجميل الذي دائما ما يضيف حياة لكل تلك المناسبات التي تأتي إلينا وسط أيامنا هذه المنهكة الخالية من أي روح أو فرح.. أو بالأحرى "مصر" أم الدنيا هي من تفعل ذلك بذكريات الفوازير والأغاني القديمة من الزمن القديم، ذلك الزمن الذي أراه جميلا بالتأكيد، ولكن ليس لجودة ما قدم الممثلون حينها ولا نوعا من التطبيل كما يفعل الممثلين اليوم الذين يكررون قوة وعظمة ذلك الفن الذي لن يستطيع أبناء جيل اليوم الوصول إليهما.

 

بيد أنني أراه جميلا وعظيمًا لأنه بنى جسرا للفن من أجساد ممثلين ومخرجين وكتّاب صارعوا ضمن معطيات وأدوات وامكانيات بسيطة حتى يصل فنانوا اليوم إلى ضفة أخرى من وحي أخطاء تلك التجارب وعظيم نتاجها ومهدت اسما عظيما للسينما المصرية التي أصبحت حلم الموهوبين اليوم. بالتأكيد أستثني من مقالتي قسم الغناء والموسيقى، لأن زمنهم كان جميلا فعلا بجودة ما قدموا، ولم يستطع حتى مطربو اليوم الوصول لعظمة ما قدم هؤلاء.

بالعودة إلى عالم السينما والتمثيل- إجمالا- مر علينا في ذلك الزمن أسماء كبيرة كانت تستحق المكانة التي تحظى بها اليوم وعلى قلتهم إلا أن أسمائهم تصدح اليوم في عالم الفن حتى يومنا هذا من بينهم الأستاذ الراحل "أحمد زكي" أحد الأسماء التي ترفع له القبعة على عظيم موهبته التي أثرَت السينما المصرية، تلك الموهبة التي تركت أثارها حتى بين أبناء جيلنا الحالي الذي تعلق به حتى بعد رحيله، واسمه العظيم هو من قادني إلى الممثل الشاب "محمد رمضان" حين شاهدته أول مرة.

 

إنني ألقي باللوم على محمد رمضان الذي يكرر نفسه بشكل واضح وبطريقة تقليدية بحتة، ويمكنك أن تعرف من خلال مقابلاته أنه شخص ذكي يعلم تماما ما يريد فلمَ هذه الاختيارات السيئة

كان ذلك في لقاء تلفزيوني يقلد به "رمضان" الأستاذ "أحمد زكي"، بكيت حينها لأني شعرت أن أحمد زكي عادت له الروح من جديد وكأنه حي يرزق بيننا، واكتشفت حينها موهبة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. موهبة "محمد رمضان". في الحقيقة وعلى كل الحب الذي أحمله اتجاه الأستاذ "أحمد زكي" إلى أن موهبة رمضان ربما تجاوزت ما قدمه أحمد زكي، وهنا أقف موقف الحياد أمام موهبتين لن أكسب إن وقفت في صف الأخرى، وعلى أبعد من ذلك أميل أكثر إلى الأستاذ أحمد إلا أن للحق كلمة ورمضان ممثل يصل في قدراته إلى أشهر الممثلين العالميين الذي يصنع من الشخصية روحا تجعلها تحيا بيننا ونعتقد أنها حقيقية كما فعل مع "رفاعي الدسوقي".

 

ربما تكون المقارنة ظالمة لأن الفن تطور وتطورت معه النصوص وطرق الإخراج وحجم الأنتاج إلا أن هذه النتيجة الراهنة بين أيدينا اليوم والتي لا يحق للإعلام المصري أن يقدم قدرات أي ممثل آخر على ما يقدمه محمد رمضان فهذا الظلم بعينه وكفانا تطبيل للزمن الجميل، كان جميلا بالفعل.. لكن الجودة والنضج لفن اليوم.. لو ابتعد عن التجارة بالتأكيد.

وهنا نقطة الحكم؛ لكل شخص الحرية في إظهار حياته التي يريد والطريقة التي يعيش بها، ولن أتطرق إلى ما يفعله الغالبية بالهجوم على طريقة حياة محمد رمضان التي ليست من شأن أحد والتي أعتبرها حرية شخصية لا تؤذي سوى أولئك الناقمين على الناس المجتهدين من فصيلتهم، الكارهين لرؤية النعمة على أبناء شعوبهم في الوقت الذي تراهم ينبهرون بابتسامات بلهاء على وجوههم خين يشاهدون ممتلكات النجوم الأجانب في الخارج.

 

إلا أن ما أشير إليه أنني أقف متعجبة من ضعف النصوص التي يقدمها "محمد رمضان" وهذا النمط التقليدي الساذج المكرر! كيف لرمضان أن يغيب عن باله أنه يقتل بذلك الموهبة التي يجب أن تجسد في كل الصور، وفي نصوص أقوى وفي فن يليق بما يمتلك من قدرات! لم أستطع إكمال الحلقات الأولى من" نسر الصعيد" وخاب أملي أمام كل التوقعات التي وضعتها لما سوف يقدمه "الأسطورة" هذا العام فقط لأنبهر بتمثيله وأرى أدق التفاصيل التي يصنع منها لوحة استعراضية عظيمة في ذاكرة المشاهد.

 سوف تخسر السينما والدراما العربية موهبة كانت سوف تجسد الكثير من الشخصيات التي سوف تبهر المشاهد الذي يبحث عن فن حقيقي بلسان عربي
 سوف تخسر السينما والدراما العربية موهبة كانت سوف تجسد الكثير من الشخصيات التي سوف تبهر المشاهد الذي يبحث عن فن حقيقي بلسان عربي

بالتأكيد لا أتحدث بلسان البغبغاء من الشعب الذي يكرر أنه أفسد جيلا بأكمله! ربما هذا من أكثر الهراء الذي سمعته في حياتي.. كيف تضع اللوم في تربية ابنك على ممثل غريب لم يظهر في شريط عمر ابنك سوى بضع ساعات؟ وهل يلام المبدع على إتقان ما يقدم؟ أم أنكم تتلذذون بوضع خيباتكم على غيركم كنوع من الحقد الدفين؟!

إنني ألقي باللوم على محمد رمضان الذي يكرر نفسه بشكل واضح وبطريقة تقليدية بحتة، ويمكنك أن تعرف من خلال مقابلاته أنه شخص ذكي يعلم تماما ما يريد فلمَ هذه الاختيارات السيئة التي لا أرى من خلالها إلا تجارة بالفن وتجارة بموهبته واسمه؟ اسمه الذي أخاف أن يسقط إذا سار على هذه الخطى، ورغم أنني أستطيع التخمين بأنه- ربما- يعلم جيدا أن هذه حياة الفنان العربي، إن لم تسند نفسك بمالك وتخطو خطوة السلعة الرائجة في السوق فإنك سوف تغدو وحيدا بلا اسم أو مال وسوف يشيح المنتجين وجوههم عنك يوما ما كما فعلوا بمن هم قبلك..

 

وهكذا -بالنسبة لنا – سوف تخسر السينما والدراما العربية موهبة كانت سوف تجسد الكثير من الشخصيات التي سوف تبهر المشاهد الذي يبحث عن فن حقيقي بلسان عربي، موهبة لو ابتعد المنتجين بألسنتهم اللاهثة وراء المال عن طريقها سوف تحدث نقلة نوعية في تاريخ السينما، موهبة تقطر تواضعا وشهامة غير مخفية وذكاء نحتاجه للارتقاء بما يجب أن نقدمه -نحن العرب -كوجه آخر أكثر احتراما وإبداعا للعالم.. في النهاية، ورسالتي ل محمد رمضان كأحد الجمهور الذي يعشق ما يقدمه: "مهما كانت الأعذار.. التجارة بالأشياء الثمينة الغير مادية لن تخسر إلا مالكها".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.