شعار قسم مدونات

أردوغان.. فوبيا الإسلاميين والعرب

blogs أردوغان

كثيرا ما لاحظت بعد الانتخابات التركية الأخيرة الجدل الواسع الحاصل بين العرب بسبب فوز أردوغان وحزبه بالرئاسة والحكومة، وكثيرا ما كانت بعض الجدالات ما تثير من حفيظتي، فما بين مؤيد وما بين معارض وما بين فلسفي وما بين ملتزم ضاعت الكثير من الحقائق، فلا بد من وقفة صريحة نقول بها ما لنا وما علينا -كعرب ومسلمين- فيما يخص أردوغان وحكومته. وسأناقش الموضوع من وجهتين مهمتين يتحدث بهما معظم الناس في جدالاتهم، أما الأولى فهي وجهة نظر إسلامية وأما الثانية فهي وطنية:

فمن وجهة نظر إسلامية:

لا أحد يستطيع أن ينكر أن أردوغان شخص ناجح وشريف ومصلح على الصعيد السياسي والسلطوي والحكومي، فما فعله أردوغان وحكومته للشعب التركي وللدولة التركية من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتنموية وأمنية في فترة وجيزة خير دليل على ذلك، وما نجاح أردوغان المستمر وشعبيته المتزايدة بشكل ملحوظ إلا دليل قوي على ذلك أيضا، وهذا بدوره يقودنا إلى حقيقة إدراك شعبه لما صنعه من معروف ومن تغيير وتقدم، والمتتبع لمسيرة أردوغان وتاريخه يدرك مدى نجاح هذا الشخص ومدى صدقه وشرفه، ولولا حنكته وقوته ما وصل هو وحزبه إلى ما هم عليه الأن.

 

يجب أن ندرك أن أردوغان ما هو إلا رئيس لـ"تركيا" ولـ "الشعب التركي" فلا تُحمِّلوه فوق طاقته، ولا تُلقوا على كتفيه عبئ القومية العربية جمعاء!

ولكن فيما يخص "الإسلام" على وجه التحديد فالكل يدرك أن أردوغان إنسان ملتزم دينيا وصاحب مبدأ إسلامي وعرف إسلامي وفيه الكثير من الأخلاق الإسلامية الحميدة، ولكن هذا لا يعني بالطبع أن حكمه وحكومته قائمة على نظام حكم إسلامي بالضرورة، ولا يعني ذلك أيضا أن حكومته تتبنى النظام الإسلامي، فطبيعة الظروف المحيطة بتركيا وطبيعة الشعب التركي وما مروا به من ثقافات خصوصا بالعصر الأخير تمنعهم من إقامة حكم إسلامي بحت، بل ويجعل من ذلك مستحيلا في الوقت الحالي على الأقل.

 

وكل من يتابع الشأن التركي الحالي وما هو شائع لديهم من ثقافات يدرك هذه الحقيقة تماما، وهذا ما يقودنا إلى نقطة صريحة ومهمة إلا وهي أن نظام حكم أردوغان الحالي -على الأقل -شئنا أم أبينا- "علماني" وهذه نقطة يجب مراعتها من قبل الإسلاميين على وجه الخصوص كي لا يُحمّلوا أردوغان فوق قدرته، وكي لا يفتحوا عليه باب انتقادات هو بغنى تماما عنه، وعلى كل الأحوال فإن أردوغان وحكومته أقرّوا بألسنتهم بهذه الحقيقة في كثير من المحافل.


أما فيما يخص الوطنية:

يجب أن ندرك أن أردوغان ما هو إلا رئيس لـ"تركيا" ولـ "الشعب التركي" فلا تُحمِّلوه فوق طاقته، ولا تُلقوا على كتفيه عبئ القومية العربية جمعاء! فعلى سبيل المثال أكثر ما قد يستطيع أردوغان وحكومته تقديمه للقضية الفلسطينية تعاطف إنساني أو دعم مادي بسيط نسبيا أو بعض المواقف السياسية التي لا ينتج عنها ضرر لشعبه ودولته بالدرجة الأولى، وهذا منطقي وعقلاني جدا، فمهمته الأساسية هي تركيا وشعبها وليس من مصلحته ولا من مصلحة شعبه أن يجرهم لحرب مع "إسرائيل" لإنقاذ قضيتنا فمهمته الأساسية تركيا وفقط! وهذا بالطبع لا يلغي أثر مواقفه المشرفة والقوية في سبيل قضيتنا.

وخلاصة ما أريد قوله مما سبق أن أردوغان إنسان مصلح وناجح وشريف، وكلنا كـ "عرب" نحلم بإنسان أو حتى بـ"مشروع" إنسان ينهج نهجه ليحررنا مما نعايشه من ذُل وتخلف في كافة أقطار وطننا العربي، ولا يوجد كائن من كان يستطيع أن يُنقص من شرف أفعاله وعظيم مواقفه ومما قدم لنا كعرب، ومن يقول بعكس ذلك فما هو إلا "جاهل" بالشأن التركي والعربي على حد سواء.

 

ولكن في نفس الوقت أن نجعل من أردوغان خليفة المسلمين وعنوان الإسلام ومنقذ القضية ومحرر الاقصى فما هذا إلا "شطح" بغير موضعه، ومستقبلا سيُسيئ هذا الكلام للرئيس أردوغان لأننا أصبحنا نرسخ في ذهون الناس -وبالأخص العرب- أن واجب أردوغان يتمثل بإنقاذ قضيتنا العربية وفقط، متناسين أن مهمته الأساسية بالنهاية هي تركيا وشعبها، ومصلحة بلده وشعبه فوق أي مصلحة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.