شعار قسم مدونات

تقنية الـ (VAR).. هل تخدعنا الفيفا؟

مدونات - تقنية VAR مونديال 2018

بعد الجدل التحكيمي الكبير الذي شهده مونديال البرازيل عام 2014 واستخدام تقنية خط المرمى أو ما يعرف بــ (Goal-line technology) لأول مرّة في المباراة التي جمعت بين فرنسا والهندوراس لحساب المجموعة الخامسة، منذ ذلك الوقت أخَذتْ كُرة القدم العالمية منحى آخر، حيثُ قلّت الأخطاء التحكيمية -لأن التقنية لا تخطئ أبداً- وتراجعت كذلك الاثارة، والحماس، والشغف في المُدرّجات، فاللعبة الشعبية الأولى في العالم أصبحت تُدار بواسطة الآلات، أكثر من أقدام اللاعبين، ما جعلها تفقد بعضاً من بريقها، ورونقها، وربما شعبيتها التي تقوم في الأساس على الأخطاء الصغيرة، والهنّات التحكيمية، والتدخلات أو اللقطات المثيرة للجدل.

 

في مونديال روسيا 2018 -الجاري حالياً- عَمَد الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) على الذهاب بعيداً في مكنكة كرة القدم، بجعل التكنولوجيا هي الفيصل في الحالات المشكوك فيها، تلك الحالات المعقدة، والغريبة بعض الشيء، وذلك عن طريق إدخال أو استخدام تقنية الــ (VAR) أو حكم الفيديو المساعد (Video Assistant Referee) من أجل حسم الجدل حول الأخطاء التحكيمية التي حدثت في المونديال السابق، وفي دوري أبطال أوروبا.

 

والمتابع للمونديال يلاحظ أن تقنية الـ (VAR) عمِلت -وبشكل كبير- على حسم الجدل حول اللقطات التي كانت تشكل عِبئاً ثقيلا على الحكّام في الماضي، مثل الاحتكاكات الطفيفة داخل منطقة الجزاء، والضّرب بالمرفق، وحالات التسلل، ولمس الكرة باليد وغيرها. ومن غرائب الصدف في كأس العالم أن فرنسا التي استفادت من تقنية خط المرمى في مونديال البرازيل 2014 كأول منتخب، استفادت أيضا من تقنية حكم الفيديو المساعد كأول منتخب في مونديال روسيا 2018.

 

تقنية الــ (VAR) ما هي إلا أداة لخدمة المنتخبات الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا، وفرنسا، وبالتالي ليس هناك أي حق لأي منتخب غير أوروبي أن يطالب باستخدامها

في الجانب المقابل، أثارت تقنية الــ (VAR) الجدل بصورة كبيرة، خاصة في المباراة التي جمعت بين منتخبي إسبانيا والمغرب لحساب المجموعة الثانية، نسبة لغياب الآلية التي تستخدم بها هذه التقنية. ونسبة للتخبط والفوضى العجيبة التي لازمت هذا الاستخدام. بكلام آخر، متى تستخدم تقنية الــ (VAR)؟ وضد من؟ وماهي الآلية التي تضبط هذه التكنولوجيا؟ هل هناك آلية واضحة يتبعها الحكام؟ أم أن القرار متروك للأمزجة والأهواء الخاصة؟

 

من البديهي أن هذه التقنية تستخدم للحالات المشكوك فيها، والتي لا يستطيع حكم المباراة ولا مساعديه تقديرها، والبت فيها بسهولة، وبسرعة، لأنه من المرهق جداً -والممل أحياناً- الرجوع إلى هذه التقنية في كل حالة، ببساطة لأن التوقف المتكرر للمباراة يُفسدها، وينزع عنها صفة الإمتاع، فكرة القدم تقوم في الأساس على الإيقاع السريع، و"الريتم" العالي، والركض، والحركة المستمرة، وهذا ما يمنحها ميزة اضافية عن غيرها من الرياضات الأخرى. ولكن حتى هذه اللحظة ليست هناك آلية واضحة لاستخدام هذه التقنية بالطريقة الأمثل، لأن قرار الرجوع للإعادة -أعني الرجوع لتقنية الفيديو- مازال يخضع لتقدير الحكم، وأهواءه الخاصة، وربما ميوله الشخصية وتحيزاته. فعندما تضرب الكرة يد "بيكيه" مثلا، يتجاهلها الحكم لكنها عندما تلامس يد "نور الدين مرابط" هنا ينبغي أن نعود إلى التقنية.

  

والفكرة التي أريد الوصول إليها، هي أن تقنية الــ (VAR) -حتى هذه اللحظة- كيلا أكون متسرعا، ما هي إلا أداة لخدمة المنتخبات الكبيرة، وأعني بها المنتخبات الأوربية، وعلى رأسها إسبانيا، وفرنسا، وبالتالي ليس هناك أي حق، لأي منتخب غير أوروبي أن يطالب باستخدام الــ (VAR) لأن أوروبا هي من تقرر. ليس هناك أدني شك بين عُشّاق الساحرة المستديرة، أن تقنية الــ (VAR) مهمة، فهي تجنّب الوقوع في الأخطاء التحكيمية الساذجة التي يقع فيها الحكام، واذكر منها على سبيل المثال: الخطأ الفادِح في مونديال (جنوب أفريقيا 2010) في المباراة التي جمعت بين (ألمانيا وإنجلترا) في دور الــ 16 عندما عبرتْ الكرة التي سددها لاعب الوسط "فرانك لامبارد" خط المرمى للحارس الألماني "مانويل نوير" لكن الحكم الأورغوياني "خورخي لاريوندا"  كان له رأي آخر، فلو كانت تقنية الفيديو موجودة في ذلك الوقت، لاحتُسب الهدف وتغيرت مجرى المباراة، ولو كانت تقنية الفيديو موجودة في مونديال (المكسيك 1986) لما أخذت الأرجنتين كأس البطولة، ولما سُميت يد ماردونا بـ "يد الاله"  The hand of godنسبة لإحرازه هدف الفوز على إنجلترا -أيضاً- باليد. لكن غياب التقنية كان له أثر كبير في خروج إنجلترا من الباب الصغير في المونديالين.

  undefined

 
هُنا.. أثمن على أهمية التكنولوجيا في مثل هذه الحالات، بل أطالب باستخدامها وبسرعة. لكن من يستجيب لنجم المنتخب المغربي "نور الدين مرابط" عندما يُطالب باستخدام تقنية الفيديو؟ من يستمع لمدرب باناما "هرنان داريو غوميز" عندما يترك منطقته الفنية، ويقِفُ بالقرب من الحكم الرابع ويطالبه بالرجوع للإعادة؟ من يستجيب للجماهير المغربية الغفيرة التي ضجّت بها مقاعد ملعب كالينجراد؟ بالتأكيد لا أحد. وفي المقابل بدون مطالبة، أو حتى احتجاج، يُوقِف الحكم المباراة لدقيقتين او أكثر ليحتسب هدفاً لإسبانيا، وضربة جزاء للبرتغال، وربما ضربة حرّة لألمانيا. الرسالة واضحة، أن هذه التقنية مشروعة للكبار فقط، ومحظورة للصغار.

 

من خلال متابعتي لمباريات كأس العالم، لاحظتُ قِلّة استخدام تقنية الـ (VAR) ضد المنتخبات الكبيرة، مثل اسبانيا وألمانيا، وفرنسا، باستثناء حالة طرد المدافع الألماني "بواتينغ" على الرغم من وجود الحالات المشتبه بها،  تلك الحالات التي تستدعي التدخل العاجل للتكنولوجيا، خاصة في مباراة المغرب واسبانيا عندما تعمّد المدافع الإسباني "جيرارد بيكيه"  لمس الكرة بيده خارج منطقة الجزاء، لكن حكم المباراة قرر عدم اللجوء لهذه التقنية، ووضعها في جيبه الخلفي، ليقوم باستخدامها لاحقاً ضد المنتخب المغربي في لقطة الهدف الملغي لإسبانيا بداعي التسلل. والسؤال الذي أطرحه هنا، لماذا لم تُستخدم تقنية الفيديو ضد اسبانيا؟ واستخدمت ضد المغرب؟

 

أما عن الآلية التي تحكم استخدام هذه التقنية، حتى الآن ليست هناك خطوط واضحة وعريضة تضبط هذا الاستخدام، وهذا ما يجعلني أدّعي، أنه كلما كان المنتخب أوروبيا كلما تضاعفت فرصه في اللجوء إلى تقنية الفيديو، على العكس تماما كلما كان المنتخب آسيوياً، أو إفريقيا، كلما قلّت فرصه في الحصول على استخدام التكنولوجيا. هذا الادعاء مبني على الحالات التي استخدمت فيها هذه التقنية، وكذلك على المنتخبات التي استخدمت ضدها. وبما أن الحكم يقرر الحالات على حسب ما يراه مناسبا، فإن هذه التقنية -حسب رأيي- ستشكل عبئاً إضافيا على الحكم، وعلى مساعديه، مالم يتم الاتفاق على آلية ضابطة، وواضحة، تنظم الفوضى المُتعمدة التي يخلّفها الحكام.

 

إدخال التقنية في عالم كرة القدم، جعل اللعبة تفقد بريقها، وهذا ما تحدّث عنه الكثيرون، وما يمكن ملاحظته على وجوه الجماهير، والاستياء الذي يرتَسِم على وجه اللاعب عندما تُوقَف المباراة من أجل لقطة، ضربة، ركلة، لمسة، فينخفض الايقاع، وتصبح المباراة باهتة ومُملة لكثرة توقفها، لكن النقطة المهمة هنا، أن دخول التكنولوجيا، ومكنكة كرة القدم تصب في مصلحة أوروبا فقط، فهي تصنع التقنية، تشغّلها، وتسخرها لنفسها، تخدعنا وتغشنا الفيفا بالتكنولوجيا، وفي النهاية تفوز أوروبا بكأس العالم، ويفوز العالم بالجدل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.